أدباء المنصة

أدباء المنصة
آخر تحديث:

  د. حسين القاصد

كانت ومازالت المنصة هي المنبر الخطابي للنصوص الإبداعية المسموعة، وأعني بالمسموعة تلك التي تمتاز بالخطاب الواضح ، الذي لا يحتاج إلى تأويل وتأمل ؛ والمنصة ليست كطاولة النقد لأن تلك الطاولة محورية وتحمل الجلسة فيها طابع المؤتمر ويكون للجلسة مقرر والمقرر يقرر ، لا يدير الجلسة مثل عريف الحفل في الجلسات الشعرية . احتفظت المنصة بمكانتها المحببة لدى الادباء والجمهور الأدبي ؛ وكانت ومازالت القصيدة العمودية هي الأقرب للمنصة ، لأن الشعر العمودي وكذلك شعر التفعيلة يعتمد على الصوت وسيلة للاتصال المباشر مع المتلقي وهكذا تحول بعض الشعر الى ظاهرة صوتية خالية من أي نشاط تخييلي. لكنّ أمراً غريبا شاع مؤخرا ؛ هو أن تلقى بعض الخطب النقدية المرتجلة على الجمهور من منصة الشعر وتأتي على سبيل المداخلة وما إلى ذلك ؛ فإذا اتفقنا ان النقد علم ويحتاج إلى تواصل ذهني ومراجعة معلومة ومتابعة مصادر فإن اي تسمية لهذه المداخلات لا تدخل ضمن النقد الادبي او النقد الثقافي ، انما تسمى آراءً انطباعية تقال على عجل وقد يسمى صاحب المداخلة (المنصوية ) بالناقد العمودي لارتباط عمله بالمنصة لا بالتوثيق والتنظير الكتابي . واذا عدنا للشعر نجد حتى القصيدة العمودية عند بعض المدعين فيها تحتاج إلى التأمل والقراءة بعيدا عن التأثير الصوتي والإلقاء ولغة الجسد ، لكننا صرنا نرى في المهرجانات الشعرية طلبا غريبا على المنصة فضلا عن الأصالة أو القراءة في المهرجان مرتين مثل ما فعل الشاعر الإماراتي حبيب الصائغ في مهرجان الجواهري حيث قرأ مطولتين في الافتتاح والختام ، جعلت الجمهور يترك القاعة ؛ فإذا قيل ذلك لأنه رئيس اتحاد الادباء العرب وضيف وما إلى ذلك ، اقول كيف بالمطولات النثرية التي تحتاج إلى تأمل فكري وماذنب القصيدة لكي تراق بهذه الطريقة الصوتية وماذنب الجمهور لكي يخضع للانصات الجبري لسيل من الكلام لمجرد رغبة البعض في القراءة . متى نعي أن المنصة لا تتسع إلى أكثر من سبعة شعراء في افضل حالاتها ؟ ومتى يكف المتهافتون على المنصة لأنها تنقلهم للتلفزيون وتجلب لهم التصفيق وكلمات الاطراء والمطالبة بالاعادة !! . ان هذه الظاهرة انتشرت وتسببت بفشل اكبر المهرجانات الشعرية ، لذلك اتمنى ان يلتفت المعنيون ويجعلون عدد شعراء المنصة لا يتجاوز السبعة لكي تعلق في الذاكرة بعض الصور الشعرية ولكي تتحقق متعة الابداع والتلقي لأن المتلقي شريك فاعل في نجاح النص الإبداعي وله حق توفير المناخ الصالح التلقي من دون ضجيج أو شوائب قد تذهب به بعيدا عن النص وتأخذه إلى منطقة الضجر والملل ؛ فإذا كان الشاعر هو ( المرسل ) والنص الشعري هو الرسالة ، فمن حق المتلقي وهو ( المرسل اليه) أن يستلم الرسالة بأجواء مناسبة وصالحة للنشاط  الفكري .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *