أي نوعَي رأس المال الإجتماعي نفتقد في العراق ؟

أي نوعَي رأس المال الإجتماعي نفتقد في العراق ؟
آخر تحديث:

بقلم:منقذ داغر

يعرف فوكوياما رأس المال الإجتماعي بأنه ” قدرة الناس على العمل سوياً لتحقيق أهداف وأغراض مشتركة للجماعات والمنظمات”. وقد بات من نافلة القول أن الأمم المتقدمة إنما بلغت ذاك التقدم ليس من خلال الأستثمار الصحيح لمواردها المادية حسب،بل الأهم هو إستثمار ما تملكه من بنية أجتماعية تحتية تتمثل في العلاقات الصحية والثقة المتبادلة وقدرة المجتمع أفراداً وجماعات على تنظيم أنفسهم والعمل سوية لبلوغ أهداف متفق عليها.
وفي كتابه ذائع الصيت(لعب البولنج منفردا Bowling Alone: The Collapse and Revival of American Community, a
والذي صدر عام ٢٠٠٠ وأثار جدلاً واسعاً في أمريكا، يجادل البروفسور بوتنام من هارڤرد ان رأس المال الأجتماعي والذي طالما ميز أمريكا قد بدأ بالتآكل منذ الستينات. ويذكر نوعين من رأس المال الأجتماعي يعدهما مهمان لأي مجتمع متنوع مثل أمريكا ، وهما رأس المال الترابطي bonding Capital ورأس المال التجسيري bridging capital . يختص النوع الاول بالعلاقات التي تنشأ بين الجماعات والأفراد المتشابهين(المجموعات العرقية والدينية والثقافية المتشابهة). أما النوع الثاني فهو ما ينشأ بين الجماعات المختلفة ليجسر الفوارق والاختلافات بينها.
بناءً على هذا الأنموذج النظري،فأي رأسي المال أكثر أهمية وأيهما أكثر تضرراً في العراق؟
قد لا تبدو الإجابة على السؤال الأول صعبة،إذ إن كِلا النوعين لا غنى عنهما لأي مجتمع صحي بخاصة عندما يتميز هذا المجتمع بتعدديته كما هي الحال مع المجتمع العراقي.
أما الإجابة الأكثر صعوبة فتخص السؤال الثاني.إذ على الرغم من التآكل الأكبر الذي حصل في رأس المال التجسيري بخاصة بعد أحتلال العراق والذي أدى الى خلق جزر إجتماعية تضم مجموعات عرقية وطائفية مختلفة، فأن هذا التآكل بدأ يمتد ليشمل رأس المال الترابطي ايضاً . لقد بدأنا نشهد مؤخراً إنقسامات وتشضيات داخل المجموعات التي كانت متشابهة. لا بل أن التآكل الحاصل في رأس المال الترابطي بات أوضح وأشد تأثيراً من التآكل في رأس المال التجسيري.لقد أوردت في محاضرة ألقيتها في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في نهاية ٢٠١٨ الكثير من الأمثلة الإحصائية التي تدل على انتقال الخلافات من بين الطوائف inter sectarian الى ضمن الطوائف intra sectarian . وبعد ذلك أشرت واستناداً الى إستطلاعات الرأي الكثيرة التي أجريتها داخل المجتمع العراقي الى حالة الغليان الحاصلة في المحافظات الجنوبية. ان إنتفاضة تشرين هي واحدة من مظاهر تآكل رأس المال الترابطي. ورغم الأهمية القصوى لرأس المال التجسيري في ردم الاختلافات الطائفية والعرقية الا اننا بتنا بحاجة الى ترميم رأس المال الإجتماعي الترابطي. ولنعلم أننا كمجتمع متعدد نحتاج وبنفس الأهمية لكلا النوعين من العلاقات والترابط. صحيح ان الحقبة الزمنية السياسية والاجتماعية قد ترجح أهمية أحد نوعي رأس المال على الثاني لكن لا يمكن بناء مجتمع صحيح دون تعزيز العلاقات الضمنية والبينية داخل المجاميع المختلفة.
لقد لاحظ البروفسور بوتنام أنه وعلى الرغم من الزيادة الملحوظة في عدد لاعبي البولنج الا أن الأندية والروابط المختصة بالبولنج قد قلت في أمريكا.وأنا الاحظ أن أعداد ممارسي الرياضات والهوايات المختلفة في العراق قد زادت لكن أعداد النوادي والروابط الرياضية وتلك الخاصة بالهوايات قد قلت كثيراً. لقد باتت الاواصر التي تربط بين المتشابهين بعضهم البعض وبينهم وبين المخالفين لهم أقل تماسكا وقوة وهو أمر خطير يهدد المجتمع العراقي.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *