إلغاء الحدود

إلغاء الحدود
آخر تحديث:

ياسين النصير

الدمج بين الثقافة الرفيعة والثقافة الشعبية، واحدة من الثيمات التي تشتغل عليها نصوص مابعد الحداثة، وعلينا أن نكون حذرين جدا من الانجرار وراء فن مابعد الحداثة خاصة في الرواية والشعر، دون ان نتعرف عمليا على ماسبق هذه المرحلة الثقافية ،اعني التعرف على فنون وتوجهات الحداثة. عمليا، ومنذ نصف قرن يكتب ادباؤنا العراقيون فنا حديثا، ويتعاملون نقديا مع رؤى نقدية تحمل في أبعادها رؤية حديثة، بمعنى أننا لسنا غرباء عن الحداثة، ولكن بالحدود التي تفتحها علينا الثقافة المحلية وهي تنتقل بأحذيتها اللغوية القديمة من ارصفة متربة إلى شوارع المدينة حديثة. بمعنى أننا نتعامل مع الحداثة ونحن لم نتغير جذريا لافي تعليمنا ولا في معاشنا ولا في سكننا ، هذا ليس شرطًا ان تكون الحداثة شاملة لكل مفردات الحياة، ومع ذلك ثمة شجاعة ذاتية لدى الكتاب العراقيين من أن يكونوا خبراء في التجريب، لأنهم مشغولون بالإبداع، ولن يأتي الإبداع دون تجريب، لعل الشعر والفن التشكيلي والرواية هي الحقول الأكثر خصوبة بمحاولات التجريب، وقد اثمرت جهود روائيين عراقيين مؤخرا لينتجوا مايمكن احتسابه ضمن تيارات الرواية الحديثة .
ما يهمني هو القول المركز حول  الغاء الحدود أو نسف التمييز حسب تعبير جيمسون،”بين الثقافة الرفيعة وبين مايسمى الثقافة الشعبية أو الجماهيرية” فن ما بعد الحداثة يدعي أنه يلغي الحدود بين الثقافتين الرفيعة و الشعبية، ويستخلص رؤية الدمج من ان الأحداث لا تعرف لغة معينة، بقدر ما تكوّن تصوراتها مختلطة، ولان الرواية الحديثة تطلبت مهارات معقدة لتفسيرها، لجأت رواية مابعد الحداثة إلى تبسيط قواعد الرؤية لدى القراء من أنها سارعت إلى استدعاء الحياة اليومية بهوامشها ومتروكاتها ومهملاتها وحدائقها المحلية إلى النص ، معتقدة أنها تلغي أية حدود تكون عائقا أمام القارئ، لكن هذه الطريقة الكولاجية تفقد النص خصوصيته ، لأنها تطرح موضوعا بلغة ليست من السهولة ان تكون شعبية، فلغة النص يفرضها الحدث وغالبًا ما ينساق المؤلف للطبيعة اللغوية للحدث بحيث يصعب عليه تبني أي لغة لا تحمل تصورات الحدث ، فاللغة كما يصفها هايدغر “تولّد نفسها”، هذه الرؤية للثقافة الرفيعة ستكون معقدة القراءة، ولذلك لجأت الرواية العراقية إلى المزاوجة بين الاثنتين وشرطنا هو أن يكون المؤلف على وعي بهذا الفصل.
هل نتحدث عن المهارات التي يكون عليها القارئ كي يفصل بين جملتين احداها بسياق شعبي والأخرى بسياق ثقافي عالي؟، ربما هناك من ينتبه لمثل هذه التعرجات في النص، ولكن من المستحيل أن تدمج الجملتين في تعيين فكرة ما، الكثير من نصوصنا الروائية لا تتعامل من مستويات المعاني المضمرة في الجملتين، بقدر ما تتعامل مع سطحهما اللغوي.على الجانب الآخر من عملية الفهم ان الحياة نفسها لا تسير على نمط لغوي ثابت ، وهذا الوضع يتطلب تغييرا في الأداة الفكرية  للكتابة. يقول فردريك جيمسون “ثمة مفهوم حقيقي تكمن وظيفته في الربط بين ظهور خصائص شكلانية جديدة في الثقافة، وبين ظهور نمط جديد من الحياة الاجتماعية .. وهذا ما يشار إليه مجازا بالتحديث.. أو المجتمع ما بعد الصناعي،” .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *