إلى البنك المركزي : من أين لك هذا ؟!

إلى البنك المركزي : من أين لك هذا ؟!
آخر تحديث:

 بقلم:باسل عباس خضير

أعلنت وزارة النفط ( ببيان من ناطقها الرسمي ) تفاصيل عن مجموع الصادرات والإيرادات المتحققة لشهر تشرين الأول 2019 ، وذكر البيان أن حجم الصادرات من النفط الخام بلغت 106 مليونا 859 ألفا و470 برميلا ، لتشكل حجم إيرادات بلغت 6 مليارات و107 مليونا و315 ألف دولار ، وأكد المتحدث باسم وزارة النفط إن مجموع الكميات المصدرة من النفط الخام للشهر المعني من الحقول النفطية في وسط وجنوب العراق بلغت 103 مليونا و540 ألف و855 برميلا وان المعدل اليومي للصادرات بلغ 3 ملايين و447 ألف برميل ، وإن معدل سعر البرميل الواحد بلغ 57.153 دولارا . وتعني هذه الأرقام إن معدل المبيعات اليومية كان بمقدار 197,006,391 مليون دولار .

ولان هذا البيان رسمي ويمكن التعويل عليه بشكل مؤكد فانه يمكن اعتماده لغرض المقارنة ، وعند مقارنة مبيعات النفط ( باعتبارها المصدر الوحيد لدخول العملات الأجنبية ومنها الدولار ) مع مبيعات المركزي من الدولار في جلساته اليومية التي بلغت 247,900,733 مليون دولار ليوم 19 / 11 / 2019 و265,804,308 مليون دولار ليوم 20/ 11/ 2019 و258,026,494 مليون دولار ليوم 21 / 11 / 2019 ، نجد إن مبيعات البنك المركزي العراقي اليومية أكثر من المبيعات اليومية من النفط التي بلغ معدلها 197 مليون دولار خلال شهر تشرين الأول من العام الحالي ( 2019 ) ، رغم إن مبيعات الدولار التي تمت الإشارة لها هي لأغراض تعزيز الأرصدة في الخارج (حوالات،إعتمادات) والبيع النقدي لشركات ومكاتب الصيرفة داخل العراق ، إذ إن هناك التزامات أخرى للعراق واجبة التسديد وتحتاج للدفع بالدولار ومنها :

1.تغطية استيراد ونفقات قطاعات الدولة كاستيراد الأسلحة والاعتدة والأجهزة والمعدات والأدوية ومواد البطاقة التموينية وغيرها من المشتريات والالتزامات الرسمية التي يتولاها مصرف التجارة العراقي ( TBI ) .

  1. دفع مستحقات شركات جولات التراخيص التي لا تقايض بالنفط وانما من خلال الدفع النقدي والآجل .

  1. دفع فوائد القروض وكل ما يترتب عن المديونية الخارجية للدائنين من خارج العراق والتي تتم بالعملات الأجنبية وغالبيتها بالدولار او ما يعادله وليس بالدينار العراقي .

  1. دفع مستحقات العراق عن اشتراكاته ومساهماته في المنظمات والجمعيات والمنتديات العربية والإقليمية والدولية والتي تكون بالدولار او ما يعادله .

  1. تنفيذ سياسات الدولة التي يتولاها البنك المركزي العراقي في تعزيز الاحتياطيات من العملات الأجنبية ومنها الدولار والذهب لغرض تنمية الاحتياطيات المحلية .

  2. الالتزامات الأخرى واجبة السداد والإيفاء التي تتطلب الدفع بالدولار .

ورغم إننا لا نمتلك أرقاما دقيقة عن حجم الالتزامات بالدولار التي اشرنا إليها في الفقرات 1 – 6 أعلاه ، إلا إن المقارنة الرقمية لإيرادات مبيعات النفط ومبيعات الدولار في نافذة البنك المركزي تشير إلى إن المدفوعات أكثر من المدخولات في اغلب أيام البيع مما يستدعي التساؤل من أين لك هذا يا بنكنا المركزي العراقي ، وهذا قد يؤشر لوجود عجز في ميزان المدفوعات لان النقد الداخل اقل من النقد الخارج وقيمة هذا العجز من الممكن أن تكون اقل مما هو معروض لان تصدير النفط يستمر خلال أيام السنة باستثناء التوقفات بسبب أحوال الطقس والبحر والحوادث وغيرها من التوقفات المحتملة ، أما مزاد العملة فانه يتوقف في أيام الجمع والعطل الرسمية ( والحمد لله ) وكان تلك الأيام هي لتوفير النقد الأجنبي الداخل في تلك الأيام ، ولو إن ميزان المدفوعات بحالة صحية وان عدم البيع كافية لتسديد بقية الالتزامات لما احتاج بلدنا للاقتراض الخارجي التي أوجدت المديونية التي تزيد عن 100 مليار دولار حاليا ، وان هذا الرقم مرشح للزيادة بعد إتمام إقرار موازنة 2020 نظرا لاحتوائها على عجز يكفي لتمويل موازنات دولتين او ثلاثة من دول الجوار او المحيط .

وان ما نعرضه هنا ليس بالشيء الخفي او الذي لا تفصح عنه بيانات البنك المركزي ووزارة التخطيط وغيرها من الجهات الحكومية وغير الحكومية في الداخل والخارج ، لأنها أمور مشخصة وغالبا ما تشير إليها بيانات البنك المركزي ولكنها مستمرة منذ 2004 ولحد اليوم دون معالجات رغم إن المعالجات معروفة لو تم تبنيها بالفعل ، أما لماذا لا يتم تبني تلك المعالجات فان ألأسباب معروفة أيضا ومنها غياب الإرادة في المعالجات وقصور او تقصير الإدارات وتدخل الفاسدين في التعمد لإحداث العقم الاقتصادي الذي أبقى بلدنا يعتمد على الاستيراد كرد فعل طبيعي على حالة الشلل الكبير التي تسود اغلب فعاليات الإنتاج والخدمات في القطاعات كافة ( العام ، المختلط ، الخاص ) ، وسواء كان الشلل مقصودا أم توارثناه من العقود والأنظمة السابقة فان مسؤولية استمراره تقع على عاتق أصحاب القرار بمختلف المستويات الموجودون منهم اليوم او الذين سبقوهم بسنوات ، فالبلد الذي يخصص أكثر من200 مليون دولار يوميا لاستيراد اغلب احتياجات الشعب من الأغذية والألبسة والأجهزة وغيرها لحد ابسط الأشياء التي تستطيع النساء صناعتها داخل المنازل او يستطيع الكثير زراعتها في حدائق بيوتهم حتى وان كانت صغيرة المساحة كأنه بلد بدون او مساحات و ماء او بلا شعب ( لاسمح الله ) رغم انه شعب يزخر بموارد بشرية غاية في الروعة من حيث الخبرة والكفاءة والولاء الوطني وحب العمل والرغبة في التضحية ونكران الذات .

ونشير هنا إن انخفاض الناتج المحلي غير النفطي له مدلولات غير ايجابية تشير إلى الحاجة الفعلية لتوظيف ما موجود وإيقاف الهدر في الموارد والإمكانيات ، ومن أولويات مثل هذه الإجراءات ليس بإغراق الجهاز الإداري والعسكري الحكومي بالتعيينات وتكحيل العيون بتعديلات على نصوص بعض القوانين من باب التهدئة وتبريد الأعصاب ، وإنما بإيجاد معالجات جذرية لأمهات المشاكل والمعوقات ومنها مبيعات الدولار التي تصيب الاقتصاد بالخدر والإدمان وتسمح بتراكم الثروات لدى فئات محددة كالتجار على حساب النشاطات الأخرى في الاقتصاد التي تحولت من أشكالها المنتجة إلى الأعمال سعيا وراء المال وتراكم الثروات ، فالهدر بمليارات الدولارات في مزاد العملة لغرض استيراد سلع الاستهلاك وليس لتحسين عوامل الإنتاج المحلي يجب أن لا يكون الوسيلة الوحيدة للمحافظة على أسعار الصرف ، فقد حدث تدني في أسعار صرف العملات في تركيا وإيران وسوريا ومصر وغيرها من البلدان ، ولكنها تحتفظ بمستويات مطمأنة من الناتج المحلي من حيث القدرة على توفير احتياجات الناس وجلب الدولار من خلال تصدير السلع والخدمات لا لكونها دول غير نفطية وإنما لان فيها إدارات قادرة على قيادة أمور الحياة وتمتلك الإجابة عندما يوجه لبنوكها السؤال من أين لك هذا .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *