إيران جوّه جوّه

إيران جوّه جوّه
آخر تحديث:

بقلم:إبراهيم الزبيدي

نوعان من العرب والعراقيين الذين أيدوا تظاهرات الصدريين واعتصاماتهم، واحتلالهم مجلس النواب، وحصارهم لمجلس القضاء الأعلى، وإغلاقهم الطرق العامة، وتعطيلهم عمل المؤسسات، وخاصة الخدمية منها.الأول من ذوي النوايا الحسنة الحالمين بأن استبدال الإطار بالتيار في إدارة الدولة ممكن أن يتحقق رغم أنف إيران، وبأنه سيصلح الأعوج، ويقلع الفاسد الذي لا يمكن إصلاحُه، ويحقق الأمن والعدل والنزاهة والاستقلال، ويعيد العراق إلى حضنه العربي الدافئ الأمين.والثاني من المغرضين ذوي النوايا السيئة الذين يكسبون أرزاقهم من النفاق والتضليل والتلاعب وتزوير الحقائق.

وهؤلاء وأؤلئك لم يكتشفوا، خصوصا بعد أن اعتزل مقتدى واعترف بأن تياره لا يختلف عن الميليشيات الوقحة، أن الشعب العراقي، وهو صاحب القضية الحقيقي الوحيد، ظل معتكفا في  المنازل رافضا الدخول في صراع شخصي سمج بين الإطار والتيار لأنه يرى أن أيا منهما لا يصلح لحكم العراق. وأنه في انتظار يوم الخلاص النهائي من كليهما.

وقد غاب عن كليهما أن وطنية مقتدى العراقية لم تكن، ولن تكون، حاملة في أحشائها العداءَ القومي والمذهبي الذي ظنوه أو تمنوه لإيران، بل هو، فقط، رافضٌ وصايتَها، ومستثقلٌ تدخلاتها التي منعت محاكمة رفاقه الفاسدين على جرائم فسادهم، ورفضت تغييرهم، رغم علمها بأنهم عوامل هدم تهدده وتهددها في الصميم.

نعم، لقد كان مقتدى، منذ سنوات، يتململ ويتردد. يثور تارة، ويهدأ تارة، ويخرج من البيت الشيعي، يوما، غاضبا على إخوته وشركائه فيه، ثم يعود أدراجه إليه يوما آخر، حتى جاءته الانتخابات الأخيرة فأصابته بغرور القوة، وأوهمته نتائجها بأنه أصبح القائد الضرورة الجديد الذي ينتزع الحكم من خصومه الإطاريين، ويفعل ما لم يستطعه السابقون، ولن يستطيعه اللاحقون.

ثم حدث ما حدث في اليومين الماضيين في المنطقة الخضراء واقتتل رفاق السلاح، وأوشك الزمام أن يضيع من يديها، فاضطرت إيران، أخيرا، إلى أن تخرج قبضتها الحديدية مع مقتدى، بعد أن عجزت زياراتُ قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني، ورسائل الحرس الثوري السرية إليه عن ثنيه عن عناده والتهديد بخروجه عن طاعة ولاية الفقيه.

وقلناها مرات عديدة. إن العراق مزرعة إيرانية خالصة، بمباركة أميركية وأوروبية وروسية وصينية مختومة بالشمع الأحمر، وحتى إشعار آخر.وما بيان اعتزال مرجع التيار الصدري كاظم الحائري الذي أوصى به تلاميذه الصدريين بـ”إطاعة الوليّ قائد الثورة الإسلاميّة سماحة‌ آية الله العظمى عليّ الخامنئي (دام ظلّه)” إلا الرصاصة الدينية المذهبية التي أطلقتها ولاية الفقيه على مقتدى، وخيَّرته بين التوبة والشهادة، فاختار، وبسرعة، أن يطلق السياسة بالثلاثة.

وفي مؤتمره الصحافي الذي أمر فيه أتباعه بوقف القتال وفض الاعتصام سأله أحد الصحافيين عن موضوع سياسي، فرد وبالقلم العريض، قائلا “هذا اعتزال نهائي شرعي. المرجع قال ماكو تدخل في السياسة ماكو تدخل، خلاص”.مع الاعتراف بأن جزءا من اعتزاله كان ذاتيا أيضا ناتجا عن أمرين، خيبة أمله في أتباعه وحماقاتهم ومخالفاتهم، ومللِه من حلفائه وأتباعهم وعنصريتهم وانتهازيتهم ومطالبهم التعجيزية التي لم يكن فيها للوطن ولا للإصلاح نصيب.

وفي مؤتمره الصحافي الأخير لم يخرج عن صمته، فقط، بل شتم أتباعه بأقذع الشتائم، ولم يأمرهم فقط بالانسحاب من المنطقة الخضراء، بل بعدم التظاهر السلمي، وإلى أبد الآبدين. أما من مات أو أصيب فليس لهم حساب.وفي ساعة واحدة هرعوا إلى الخروج أفواجا أفواجا حاملين أسلحتهم وقدورهم وخيمهم، لتعود الحياة إلى سيرتها الأولى، وليعود نوري المالكي وقيس الخزعلي وفالح الفياض وهادي العامري وعمار الحكيم إلى قصورهم منصورين ظافرين آمنين.

ومن الآن وحتى أمد قادم بعيد سيفتقد العراقيون هتافات الصدريين (إيران بره بره)، بل قد يسمعون، بدلا عنها (إيران جوه جوه).وبالتشخيص الدقيق لقائمة الخاسرين باعتزال مقتدى سوف يكون حليفُه في ائتلاف (إنقاذ وطن) مسعود بارزاني أول الخاسرين. فقد بالغ في مطالبه التعجيزية التي كانت أولى المنغِصات التي أزهدت مقتدى بالسياسة، وخاصة إصرارَه على تنصيب خاله هوشيار زيباري رئيسا للجمهورية، بُغضا شخصيا وليس وطنيا بالرئيس برهم صالح. ثم حين رفضت المحكمة الاتحادية ترشيح الخال بسبب طرده من وظيفة وزير المالية بتهم فساد، عاد فاشترط على حليفه مقتدى، مقابل استمراره في تحالفه معه، ضرورة تعيين ريبر بارزاني، سكرتير مسرور بارزاني، رئيسا للجمهورية، إضافة إلى مطالب أخرى غير مقبولة تخص كركوك والنفط والمنافذ الحدودية وغيرها.

وثاني الخاسرين سيكون الشعب العراقي الممتلئ نقمة وغضبا وثورة على الفساد والفاسدين والذي أبطل مقتدى انتفاضته المنتظرة بما فعله أتباعه الذين دخلوا المنطقة الخضراء بالأبقار والغزلان والسمك المسكوف والأراكيل، فشوهوا سمعة المنتفضين، وجعلهم يفضلون الصمت والفرجة في انتظار الزمن المناسب القريب. يعني أن أتباع مقتدى حرموا قائدهم من نصرة الملايين، وتركوه وحيدا بلا ناصر ولا معين.أما ثالث الخاسرين فهم الإطاريون الذين لم يفهموا الدرس، والذين أثبتوا جهلهم وغباءهم وأطماعهم حين عادوا إلى انتهاز فرصة غياب التياريين.

ويصعب أن يصدق أحدٌ من العراقيين دعوتهم إلى “تشكيلِ حكومة خدمة وطنية تتولى المهام الإصلاحية ومحاربةِ الفسادِ، ونبذ المحاصصةِ، وإعادة هيبة الدولة، لينعم الجميع بالأمنِ والاستقرارِ، والإسراع إلى تحقيقِ ما يصبو إليهِ أبناء شعبنا الكريم، وبمشاركة واسعة من جميعِ القوى السياسيةِ الراغبة في المشاركةِ”، فلن يأتمنهم على حياته، وحريته وكرامته ورزق عياله لا اليوم ولا غدا ولا بعد عمر طويل. فلا دولة ولا كرامة ولا عدالة ولا قانون بوجود المالكي وإخوته الآخرين.وفي يوم من الأيام، وقد لا يكون بعيدا، ستدق ساعة الغضب، ويخرج الشعبُ المغتَصَب والمنتهَب والمرتهَن عن صمته ليبطش بالمنافقين والمزورين والتبعيين، ويتحرر من كل وصاية واحتلال. والغد ليس ببعيد.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *