ابراهيم الزبيدي
عام وشهران، بالتمام والكمال، على سقوط رئيس دولة القانون من عليائه مضرجا بدمائه، ولكن محميا بعصا الولي الفقيه من سلطة القانون، ونحن ننتظر.
يقول صاحبي المقرب جدا من الدكتور حيدر العبادي ” إن ما تريدونه من حيدر أكبر من قدرته على الحمل، لسبب بسيط وهو أنه عضو قيادي في حزب الدعوة، ولا يستطيع، ولايريد، ولا يجرؤ على نقل ولائه من (أممية) ولاية الفقيه إلى (محلية) الوطن العراقي. هذا الواقع نهائي، ومفروغ منه، ولا جدال فيه. هل هذا واضح لكم أم لا؟”.
نعم، إنه واضح جدا. وكان واضحا من أول أيام ولايته خلفا لزعيم حزبه المطرود، ولكننا غرقى، والغريق لا يملك خيارا سوى أن يتشبث بهذه القشة، وأن يحلم بأن تقوده إلى شاطيء الأمان. بعبارة أوضح. نحن محكومون بالأمل وبالدعاء والانتظار.
لا ننسى أن حيدر العبادي نفسه تحدث عن نفسه في كراس أصدره في الانتخابات الأخيرة يشرح فيه مسيرته “الجهادية” مع حزب الدعوة الإسلامية ذكر فيه أنه انتمى إلى الحزب عام 1967، وكان عمره خمسة عشر عاما، واختير مسؤولا لتنظيمات الحزب في بريطانيا عام 1977م، وعمره خمسة وعشرون عاما، وحصل على عضوية القيادة التنفيذية للحزب عام 1979م، وعمره سبعة وعشون. وفي عام 1980 اختير مسؤولا لمكتب الشرق الاوسط للحزب، وقد اختاره الحزب متحدثا باسمه، لكنه لم يظهر إلى قليلا في أجهزة الاعلام.
يعني أن الرجل قضى ما يقرب من نصف قرن جاعلا من حزب الدعوة بيته. فكيف نريد منه أن يخرب بيته؟. ثم إن حزب الدعوة هو الذي جعله رئيس وزراء، فكيف نطالبه بأن يقلب له ظهر المجن، ويغدر بوليّ نعمته وصاحب هذا الفضل الكبير عليه؟. فكما تعرفون، لقد جعل نظامُ المحاصصة الديمقراطي المجيد حصة السلطة المركزية المتمثلة برئاسة الوزارة، حصريا، من نصيب التحالف الوطني، وتخصيصا، من حصة حزب الدعوة.
أتكون المرجعية، مثلنا أيضا، تعلقت بحبال من هواء حين طلبت من واحد مؤمنٍ تقي وصاحب مبدأ وعقيدة أن يخون مبدأه وعقيدته وإخوته المجاهدين، بعد عِشرة هذا العمر الطويل؟
أما نحن العراقيين فمنذ آب من العام الماضي ونحن نحلم وننتظر، ونمني النفس بأن يرفع حيد العبادي الزير من البير، وأن ننام ليلة ونفيق فإذا هو أعاد العراق جنة، دولةٌ ثانية مغسولة من أوحالها وأوزارها وخطاياها وأشقيائها ومحتاليها ونصابيها ولصوص أموالها وقاطعي رؤوس أبنائها بالسكاكين. فلا مفخخات، ولا طائفية، ولا محاصصة، ولا عمولات، ولا صفقات. دولة كالسويد أو سويسرا ينعم فيها مواطن الداخل بحرية وكرامة ورزق وفير، ويعود مهجَّروها، داخل الوطن وخارجه، إلى منازلهم بأمان، وتفرَغ السجون من ساكنيها الذين زج بهم المخبر السري، ويُنزع سلاحُ المليشيات والأحزاب والعشائر، سنية وشيعية، عربية وكوردية، دون رحمة ولا محاباة، ويقف نوري المالكي وولده وصهراه ووزراؤه ومستشاروه، وعمار الحكيم ومعاونوه، ومقتدى الصدر وجيشه وتياره، وهادي العامري وقيس الخزعلي وأسامة النجيفي وصالح المطلق ومشعان الجبوري وعبعوب وكاكا هوشيار، جميعا حزمة واحدة، أمام
القضاء العادل المستقل، بعد رحيل مدحت المحمود. ثم نشاهد محاكماتهم على شاشات التلفزيونات العراقية والعربية والأجنبية، إحقاقا للحق، وإزهاقا للباطل، وحماية لغد أجيالنا القادمة من الفساد والمفسدين، ومن الظلم والظالمين. ألسنا مغفلين إلى أبعد الحدود؟.
ولكن لنكن منصفين. فحتى لو أراد الرجل أن يفعل ذلك، ويَجبُر خواطرَ المنتفضين، هل يدعه تجارُ السياسة، من الشيعة والسنة والكورد، يقطع أرزاقهم؟. وهل يسمحون له، مثلا، بتشكيل حكومة ليس فيها وزير من كتلة المواطن، أو الأحرار، أو الفضيلة، أو بدر، أو من سنة الحكومة، حتى لو كان أميا جاهلا لا يفرق بين “فخامة” رئيس و”ضخامة” رئيس، ما دام حاملا شهادة تزكية من “سيد”، أو “مليشيا”، أو سفارة دولة شقيقة أو صديقة طلباتُها أوامر؟.
والغريب أن جميع قادة (الجمهوريات) العراقية المتحدة، ومعهم ملالي الجارة العزيزة إيران، كما نسمع ونشاهد، يُلحُون في تحقيق العدالة، ويموتون شوقا إلى أن يُتم كاكا فؤاد مشروع المصالحة الوطنية بأسرع ما يستطيع، ويتحرقون شوقا إلى الجهاد والموت في قتال داعش وتحرير الوطن العزيز على قلوبهم وجيوبهم.
فعن أية إصلاحات يتحدثون وقاسم سليماني ما زال، وسيظل، هو الذي يقود سفينتنا التائهة في هذا الليل البهيم؟. أما من يثق بحيدر العبادي، وما زال ينتظر منه ثورة على حزب الدعوة وعلى سلاح المليشيات، فلينتظر يومَ يبيض الديك.
ويقول الغارقون في العلم العراقي إن حيدر العبادي هو رجل الساعة. نعم. إنه رجل الساعة. ولكنها الساعة الخربانة التي لا تعمل. والتي توقفت عن الدوران من زمان.