الثقافة وسطوة الترويج

الثقافة وسطوة الترويج
آخر تحديث:

كه يلان مُحمَد

تُنشر في الصحف والمُجلات لائحة تضمُ عناوين الكتب الموصية بقراءتها مرفقة بتقريظ الشخصيات العامة وما قاله هؤلاء عن محتوى الكتاب وما أعجبهم في الأُسلوب مع التنويه بأوجه الفائدة من قراءة الكتاب على غرار مايُعلنُ من قائمة بعشرة أفلام أكثر مشاهدةً في الأسبوع وأصناف الأطعمة الصحية وبرامج الحمية العذائية والتمارين الرياضية لإنقاص الوزن.هنا تلعب وسائل الإعلام دوراً كبيراً لترويج بنماذج ثقافية معينة فإنَّ الفضاءات أصبحت مفتوحة لمُشاركة كل من يريدُ حشد الجمهور حول أفكاره ومعتقداته السياسية والدينية ومايُقدمهُ من أطروحات لتشخيصِ جذور المشاكل والأزمات وفي ظل هذه السيولة الثقافية والفكرية من الطبيعي أن يكون المرءُ مُتخذا قراراته بإيحاء ما تَمرُ عليه من الصور والإقتباسات التي تتواردُ على منصات إعلامية سواءً أكانت تقليدية أو جديدة.بالإستناد إلى قدمناه آنفاً يصح توصيف الواقع بأنَّه خاضع لسطوة وهيمنة المظاهر ويستوى في ذلك مايمكنُ إعتباره سلعة مسوقة أو أسماءَ ورموز تتصدر واجهة الفعاليات الثقافية. هنا لامحيد من سؤالٍ بشأنِ عوامل التأثير على رؤية وإختيارات الإنسان ورغباته في واقعٍ يضجُ بخطابات توهمُ المتابعَ بوجود حلول سحرية لأزمات مركبة كما تدغدغُه بتوفير الفرص المتساوية للجميع ،وما على صاحب المشروع إلا أن يتمثلَ لشروط العصر والبحث عن الأدوات التي تُمكنه من فك الألغاز لِيُصبحَ قدوةً للنجاح.ومتربعاً على القمة.
يُشير الصحافي السويسري آلان دوبوتون إلى ما أحدثته وسائل الأعلام من إزدياد التطلعات المادية وتغذية الرغبة الإستهلاكية لدى الجماهير وذلك بنقل أخبار رجال الأعمال ونمط عيشهم والإهتمام بقصص نجاحهم الخارق.ويَذكرُ مؤلف (عزاءات الفلسفة) ماحظي به كتابُ الرأسمال الأمريكي أنتوني روبنز حيثُ سردَ تحت عنوان (أيقظ العملاق من داخلك) من الترويج والإنتشار وهو يتناول قصة إنطلاقته من أصول متواضعة إلى أعلى مراتب النجاح مؤكداً أنَّ ماقام به ليس معجزةً ومن الممكن لأي شخص أن يسيرَ على خطاه.بالطبع فإنَّ هذا الطرز من الكُتب يخدمُ تكريس عقلية نمطية تُرخي العنان لرغبات مادية إلى أن تُصبحَ المكاسب المادية معياراً وحيداً للنجاحِ ومايحققهُ الإنسانُ خارج هذا المجال لايُعْتدُ به إلا إذا تحولَ إلى آلية داعمة لجني مزيد من الربح.
وظفَ النظام الرأسمالي القنوات الثقافية المتنوعة منها الكتُب والمطبوعات في خدمة دورة الإنتاج والإستهلاك،وتكاثر عدد الزبائن. مايعني أن هدف من العمل والنشاطات لم يعد من أجل الإنسان بل لتوثين المال على حد قول كارل ماركس. لذا فإنَّ الثقافة في أحسن أحوالها تكتسبُ دوراً تزيينياً داخل المجتمعات الرأسمالية. الأخطرُ في هذه المنظومة هو تجنيد كل الوسائل لإقناعك بالإندماج في حركة السوق ويكون الكتابُ أداةً ضمن الترسانة الرأسمالية هذا إضافة إلى مايُضخُ في وسائل التواصل الإجتماعي ومواقع يوتوب من المُحاضرات عن تجارب الرأسماليين ورجال الأعمال العالميين وإيهام المتابع بإمكانية تكرار ذلك النجاح في حياتهم دون أن يكلفهم الأمرُ مجهوداً كبيراً،والحال هذه يتصاعد سقف توقعات يوما وراء اليوم، وتتسعُ الفجوة بين مايطلعُ إليه الإنسان وماهو في متناوله.
وآخر صيحات العالم الرأسمالي تراه في العُملة الألكترونية بأنواعها المُختلفة وما يُصاحبها من قصص آولئك الذين وصلوا بواسطتها إلى منصة الملايين.وقد يطيبُ للمنضمين إلى نادي رجال الأعمال الجدد تدوين سيرتهم في الكتب ويقومون بنشرها وذلك لجذب عدد أكبر من الأشخاص للإستثمار بعملات ألكترونية.ومن الواضح أن حجم القلق والتوتر راح يكبرُ بموازاة هذه المُعطيات الجديدة إلى أن تُمحى الحدودُ لمُتطلبات وطموحات مُنفلتة، ويكون الأفضل ُ هو من أكثرُ قدرةً على الإستهلاك.ومايجدرُ بالذكر هنا هو ملاحظة القس الإنجليزي جون بانيستر التي يستشهدُ بها آلان دوبوتون في كتابه (قلق السعى إلى المكانة) عن طبيعة الرأسمالية إذ إكتشف بأن الوافدين الجدد إلى أمريكا نجحوا في دفع هنود منطقة خليج هَدسُن ليرغبوا في أشياء كثيرة لم يحتاجوا إليها من قبل،وذلك لأنهم لم يمتلكوها قط. وهذا ما يشتغلُ عليه النظام الرأسمالي بأنَّ تستهلكَ مالايُضيفُ إليك شيأً ولايسدُ حاجتك الفكرية والمادية.
وما صدر للرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون بعنوان (الرئيس المفقود) وهو عمل روائي شارك في صياغته الكاتب الشعبي الأمريكي جيمس باترسون يندرجُ في خانة مالاتحتاجُ إلى قراءته نظراً لخلوه من أبعاد فنية حسب رأي النقاد والمُتابعين ومع ذلك قديكون من أكثر كتب مبيعاً ويُحولُ إلى فيلم سيمائي.يدرسُ المفكر السعود عبدالله غدامي في مؤَلَفه (اليد واللسان) موضوع مايُسمى بأكثر كتب رواجاً موضحاً أن مُعظم تلك العناوين من تأليف الرؤساء والإعلاميين أو علماء النفس إذ تتصفُ لغة هذه المؤلفات بالبساطة والأسلوب السواليفي ويضربُ مثالاً طريفاً حول وقوع القاريء في فخ العناوين الجذابة منها كتاب (كل مايعرفه الرجال عن النساء) من تأليف آلان بيس.يقولُ صاحب (الفقيه الفضائي) ما أن وجدتُ هذا العنوان حتى أخذته مباشرة وبدأتُ بنزع الغلاف وعندما تفصحته تفاجأت بوجود ثلاثمائة صفحة بيضاء.
إذاً فإن رفوف المكتابات مليئةُ بما يمكن الإستغناء عنها تماماً مثل المراكز التجارية المُكتظة بالسلع التي ليست من الضروريات غير أن إدراكنا لهذه الحقيقة لايمنعنا من شرائها .يشارُ إلى أن كل توصية في المجال المعرفي هي مصادرة لرغبة البحث والتنقيب ولولا جود هذه الرغبة لما يتطور العقلُ وتنضجُ الأفكار.هنا ربما يسألُ سائلُ هل ثمة سبيل لتحصن من مؤثرات خارجية في إختياراتنا هل نتجول في الأسواق ونرددُ مثل سقراط (ما أكثر الأشياء التي لانحتاج إليها) ماذا لو أن قيمة الإنسان تكمن فيما يمتلكه وإنسياقه وراء المُحددات السائدة في التذوق والفكر؟ كيف يمكن إكساب الثقافة بكل أشكالها بعدا إنسانياً من جديد؟
قد تتمثلُ الرهانات البديلة في الإهتمام بما ينمي الحس الإنساني ويتعالى على الإعتبارات الطبقية والقومية والدينية لأنَّ كل ذلك صار من العوامل التي تزيتُ عجلة نظام يقدسُ الربحَ ويبخسُ فيه الإنسان. يقول المفكر المصري سمير أمين بأن النظام الرأسمالي لايمنع من وجود شخص يمسك بيدِ علبة كوكا كولا وبيد أخرى يحمل شعارات مُتطرفة عدا ذلك يجبُ التفادي من الكتب التي تتضمن وصفات جاهزة توهمنا بأنَّ مانعيش فيه هو من المسلمات والأنظمة المالية والسياسية التي تحكمنا قدر لامفرَّ منها.لأنَّ هذه الأفكار ماهي إلا أيدولوجية الطبقة الحاكمة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *