الخلايا النائمة وصمت العمائم

الخلايا النائمة وصمت العمائم
آخر تحديث:

 بقلم:فاروق يوسف 

هناك مواسم للقتل يموت فيها العراقيون بالجملة.

لا أحد من السياسيين العراقيين يبدو معنيا بذلك الموت إلا من جهة ما ينطوي عليه من إشارة مريبة إلى الخلايا النائمة. وهو مصطلح مجازي يؤكد من خلاله أولئك السياسيون أن العدو لن يتم القضاء عليه. فهو يختفي ويذهب في سبات حين يشعر بالخطر. العدو نائم.

حين يغمض العدو عينيه، فإن الأجهزة المختصة ستكون عاجزة عن الوصول إليه، غير أن الغريب في الأمر أن ذلك العدو لا يستيقظ من نومه إلا حين يشعر أهل السياسة بالحاجة إليه.

كلما اقترب موعد الانتخابات يكون العراقيون على موعد مع تفجيرات دامية، غالبا ما يكون ضحاياها من الفقراء. فالخلايا التي تستيقظ من نومها لا تجد الطريق أمامها سالكة في اتجاه الأثرياء الجدد أو السياسيين أو الأحزاب التي يُفترض أنها الهدف لذلك العدو.المنطق يقول إن ما لا يُعقل هو أن يقتل إرهابي عراقيين لا قيمة لهم بالنسبة لأهل الحكم، غير أن هذا ما يحدث دائما.

ذلك القتل العبثي والمجاني يسلط الضوء على كذبة الخلايا النائمة. فما الذي تنتفع منه الجماعات الإرهابية من قتل عدد من الفقراء إذا كان المقيمون في المنطقة الخضراء لا يكترثون بموت أولئك الفقراء؟

ليس هناك قتل من أجل القتل.يُفترض أن الخلايا النائمة، وهي جزء من تنظيمات إرهابية، تمتلك أجندات سياسية وهي لا تتحرك ولا تقوم بشيء إلا من أجل تنفيذ واحدة أو أكثر من فقرات تلك الأجندات.

أما أن تكتفي تلك الخلايا بالترويع وبث الذعر والخوف بين صفوف الناس وهي تعلم أن كل ذلك لن يهز حجرا ولو صغيرا من أحجار الأحزاب الحاكمة فذلك يعني أنها مجرد تجمعات لهواة أفلام الرعب. وهو ما يتناقض مع الرواية الرسمية التي تحيل تلك الخلايا إلى تنظيمي القاعدة وداعش، وهما تنظيمان يمتلكان مشروعين عقائديين، مسالكهما تقود إلى ضرب ماكنة الحكم.

هناك الكثير من فقر الخيال صار العراقيون يدفعون ثمنه.

ما يجري في العراق كلما اقترب موعد الانتخابات هو نوع من الترهيب والتخويف، القصد منه دفـع الشعب إلى الاحتماء بالوضع القائم، الذي يتم تصويره باعتباره الخيار الوحيد الذي يضمن للعراقيين السلامة.

سبق أن شُبه العراق بسفينة اختطفها قراصنة، كلما شعروا بخطر داخلي هددوا بإغراقها وقتل كل مَن عليها.لقد صار العراقيون على بينة من أمرهم، ولكنهم لا يملكون قاعدة للتغيير. ذلك لأن التغيير صار بعيد المنال بسبب خلو المشهد السياسي من بدائل معلنة. فالعرض الذي تقـدم به الأميركيون منذ عـام 2003 لا يزال كما هو. وهو عرض محدود ولا مجال لتوسيعه من خـلال إضافة مفـردات جديدة له. وهو ما ينسجم مع الرؤية الإيرانية لحاضر ومستقبل العراق، بلدا يراوح في مكانه.

ما شهدته بغداد من عمليات قتل ممنهجة خلال اليومين السابقين يدخل ضمن برنامج استدراج الشعب إلى مراكز الاقتراع. إرهاب يعرف ساكنو المنطقة الخضراء، وهي المنطقة التي يلوذ بها أرباب الحكم، أنه لن يصل إليهم فهو من صنع أطراف، بعضها يقاتل البعض الآخر لكن الضحايا لا ينتسبون إلى أي طرف منها.

الضحايا الجاهزون هم فقراء ذلك الشعب المنكوب الذي إذا أظهر شيئا من الاستياء على ما جلبه له المحتل الأميركي من قطاع طرق ولصوص وأفاقين انفردوا بالحكم بقوة السلاح، أغلقت أمامه المؤسسة الدينية الأبواب بأوامرها التي تصل الدنيا بالآخرة عن طريق الخضوع لواقع الحال الذي صار أشبه بالقدر الديني.

من وجهة نظر تلك المؤسسة الدينية فإن الوضع الذي أضفى عليها الكثير من القداسة هو الوضع الأمثل، بغض النظر عما يتخلل ذلك الوضع من عمليات لصوصية وفساد وقتل وقرصنة ونهب وانهيار للقيم ومصادرة لحقوق الإنسان، لذلك فهي تدعو الشعب إلى الامتثال لذلك الوضع من موقعها شريكا مستفيدا من كل ما يجري.

لقد حرمت الشرائع السماوية القتل، ولكن كل القتل الذي شهده ويشهده العراق لم يدفع المؤسسة الدينية إلى أن تقول كلمتها فيه. فهو من وجهة نظرها قدر لا بد منه بما يخدم مصالحها ومصالح المستفيدين من خدماتها من السياسيين ورجال الأعمال والمهربين وسواهم من الفاسدين.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *