الخميس 21 شباط/فبراير 2019

الخميس 21 شباط/فبراير 2019
آخر تحديث:

بقلم:صادق السامرائي

الفساد نظام فعّال لديمومة دمار الهدف , هكذا هو التعريف الأصوب للفساد , أما القول بأنه جرثومة , سرطان , مرض , وباء وغيرها من التوصيفات لا تقترب من جوهر الفساد , فالذين حققوا أهدافهم بتدمير الدولة وتحطيم الهيكلية الفاعلة في القوة والنماء , لن يسمحوا للبلاد أن تستعيد أنفاسها وتبني ذاتها وتؤسس لموضوعها الحضاري المعاصر.

ولكي يكون البرنامج مستوفيا لشروط التدمير الدائب النشاط , لا بد من نظام فاسد تترعرع فيه آليات الإنقضاض على الحياة , ويتأكد الفتك بالأمل والرجاء , وتُدام الإنكسارات والصراعات والقهر بالحاجات والحكم بالتبعيات.

ووفقا لذلك يتميز رأس النظام بالفساد في المجتمع المُستهدف , والحكومة يترعرع فيها الفساد ويمزقها , حتى تفقد قيمتها وقوتها وآليتها السليمة في العمل وإداء الواجبات وتقديم الخدمات , فتصبح مكبلة بالفساد ومثقلة بتداعياته ومآلاته وفضائحه , وما ينجم عنه من معوقات وإسراف وإتلاف لثروات البلاد والعباد.

وعليه يتم الترويج لما هو هابط ومنافي للقيم والأعراف والتقاليد المعمول بها في مجتمعات الدنيا , ويتحقق تسويق ما يؤازر الفساد ويبرره ويدافع عنه , ويمنحه مواصفات وتسميات ذات شأن نزيه , بل ويتم إقرانه بما هو ديني ومعتقدي , ويجد له المئات من ذوي العمائم واللحى الذين يجتهدون لتمرير وتبرير كل فعل فاسد , وبذلك يترعرع ويعم البلاء.

وحالما يصبح سلوكا متكررا ومقرونا بمحفزات ومعززات , فأنه يترسخ ويُبرمِج الذات البشرية ويؤجج فيها الطاقات والقدرات , التي تفوّض السلوك الفاسد وتمعن بالتعبير عنه , فتجد المتدين يأتي بأفظع أعمال الفساد , وتجد عنده أيضا أقوى الحجج التي تبرر سلوكه , وتضفي عليه صفة طقوسية وتعبدية , بل يتحول إلى فعل يقرّب إلى ربه ويدخله جنات نعيمه المتصورة.

ولهذا فأن الفساد نظام سلوكي يترسخ في الوعي الجمعي , وتقوّيه إرادات تنامت في مرابعه وتفيّأت في ظلاله , وغنمت ما يتواءم ومطمورات ما فيها من النوازع والرغبات , وعندها يسود ويقود , ويديم الدمار والخراب الشامل , ويكون الهدف قد صار قريبا ومُؤمَّنَ الإمتلاك من قبل الذين نجحوا في إصابته أول مرة.

وعليه فالفساد عتاد يُعبّأ فيه أبناء المجتمع للنيل من ذاتهم وموضوعهم , فيقضون على وجودهم ويمحقون عزة وكرامة بلادهم , وتتسيد عليهم التبعية ويفترسهم الآخرون الطامعون بهم , وهكذا تكون الغنائم سهلة وتأتي إلى آكليها طوعا وتوسلا.فكن فاسدا لكي تتمكن إلى حين وتستكين في وعاءٍ مهين!!

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *