الرؤية العراقية في إخراج المسرحية الأجنبية

الرؤية العراقية في إخراج المسرحية الأجنبية
آخر تحديث:

عبد الجبار حسن

مرة ثانية وثالثة ورابعة يطل علينا الباحث والاكاديمي د . سعد عبد الكريم في حلة إبداعية فكرية و تحليلية لجوانب من ارثنا المسرحي العراقي العريق وفي رؤية جديدة تشع من جوانبها سمات النظرة الفكرية بأفاقها الواسعة وفي كشف مسرحي دقيق ألا وهي (الرؤية العراقية في اخراج المسرحية الأجنبية).هي خطوة رائدة تشهد له بالريادة في هذا المجال بعد أن كانت هذه الرؤى مركونة ومحبوسة بين حدود البحث الذي يُسمع مرة واحدة ولا يرى بعدها النور. و د. عبد الكريم جاد لأن يضع مبدعي المسرح على بينةٍ من تلك الرؤى التي طواها النسيان فهو بذلك يُريد أن يرسخ مبادئ التوثيق الصحيح وقواعد البحث العلمي الرصين. فهاهي المحاور السبع تطل علينا بخزين معرفي في غاية العلمية التحليلية والتي تستند لأصول البحث والاستقصاء.فالرؤية التي يستلمها المخرج العراقي في طريقته الاخراجية للنص الأجنبي تعتمد معايير تفسر حضورها انطلاقاً من النص المسرحي نفسه وتستلهم مقوماتها من الواقع الحقيقي الذي يسميه الكاتب بـ (التربة أو الأرضية التي يبني عليها المخرج معماره الادبـي شـأن «الحكاية والاسطورة».فالمخرج هنا يكشف بواطن النص ويسير أنحواره مستحدثاً رسم معالم رؤى جديدة ليوظفها كحافز لبناء كيانه الاخراجي، ويكون مؤلفاً جديداً لنص العرض المسرحي. وموضوع تناول النصوص المسرحية من قبل المخرج العراقي ومثلما قلت في البداية يكاد يقتصر على حدود ضيقـة كتقديمها في المعاهد والكليـات المسرحيـة المختصـة وهذا حيز لا يكاد يرى النور إلا كبرق خاطف ما تلبث الغيوم السوداء أن تحجبه تارة أخرى، وهو ما نسميه بعروض النخبة أو عروض المناسبات.
لقد أحسن د. عبد الكريم بل وأجاد بجوده إذ رفد المكتبة المسرحية العراقية بهذه الرؤية الجديدة فهو قبل كل شيء يقدم معلومة توثيقية تاريخية عن المؤلف الأجنبي. كما ويكشف لنا مستويات المخرج العراقي الإبداعية في رسم معالم قدراته في عملية اعداد النـص المسرحـي وتوظيفهـا في خلـق عـرض مسرحـي يُحاكـي الواقع العراقي الذي هو أرضيته الثانية فيطوع كل عناصر بيئته الجديدة لفكرة واهداف النص المسرحي الأجنبي ويمنحه عراقيته ورؤاه وفلسفته الاخراجية. وهذا يتطلب جهداً فكرياً استثنائياً ليحلـق برؤاه صوب معالم عرض مسرحي يمتلك جميع مقومات النـص ورؤاه الخاصة وقواعد العرض المسرحي في آن واحد.وهنا أقول ليست كـل النصوص الأجنبية المقدمة أو التـي ستقدم تمتلـك شروطهـا الفنية والأكاديمية بل وحتـى الفكرية التي تشمل الصيغ البنائيـة للنص ورؤاه وأهدافه الحقيقية التـي كتبت لبيئة ومجتمـع مغاير لمجتمعنا تماماً.والعملية برمتها أي خلـق الرؤيـة العراقية تمنـح المخـرج والممثـل معـاً القدرة على اكتشاف الطاقات بنطاق واسع ووفق مستويات كثيرة منها (الأداء ـ وسينوغرافيا ـ وكل عناصر العرض). ومن الأهداف النبيلة والرائعة لتلـك الـرؤى هـي الارتقـاء بالثقافـة المسرحية وبالقيم الفنيـة والذائقـة الجماليـة للمتلقـي العراقـي.ان ما تناوله الكتاب من نصوص قدمت وفق تلك المعايير يجعلنا نقف بكل احترام أمام ابداع هذا الاكاديمي النبيل لا بل والوفي لواقع وتاريخ مسرحه العراقي. فنصوص كمسرحية (الأشجار تموت واقفة) لكاسونا ومخرجها القدير بدري حسـون فريـد ومسرحية (البرجوازي الصغير) لمكسيم غوركي ـ اعداد وإخراج الراحل قاسم محمد ومسرحية (الانسان الطيب) لروتولايزنخت ومن اخراج الراحل د. عوني كرومي.هذه المسرحيات التي أعدت بأتقان وبمستويات فكرية خلقـت التواشج الحميمي بين بيئات وأفكار واختلاطـات ثقافية مختلفة يشكـر على ابرازها الكاتب عبد الكريم، فهو أضاف معلماً ثقافياً لخزينتا المسرحي العريق.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *