الصراع الامريكي الايراني وسياسة (حافة الهاوية)

الصراع الامريكي الايراني وسياسة (حافة الهاوية)
آخر تحديث:

بقلم:عبد الخالق الشاهر

سياسة حافة الهاوية هي سياسة يُقصد بها تحقيق مكاسب معيّنة من طريق تصعيد أزمة دولية ما، ودفعها إلى حافة الحرب (فالحرب هاوية، ورابحها خاسر) ، مع إيهام الخصم أنك تأبى التنازل أو الرضوخ ولو أدّى بك ذلك إلى اجتياز هذه الحافة الخطرة. ويُعد جون فوستر دالاس مبتدع “سياسة الحافة” وممثِّلها الأول ، وتبقى المشكلة ان هذه السياسة لكي تنجح على متبعها ان يعرف جيدا اللحظة التي يصل فيها الى حافة الهاوية كي يبدأ بتهدئة التصعيد وتقديم التنازلات ولعل الكثيرين عبروا تلك اللحظة وضاعت عليهم فرصة التهدئة .

تكون الدولة آمنة طالما كانت غير مضطرة لخوض الحرب تحقيقا لمصالحها ، وطالما هي مضطرة فأن ذلك يعني انها غير آمنة .وهذا الكلام يشمل الوضع الإيراني بالكامل ، وهي ستبقى غير آمنة طالما بقت مصالحها خارج حدودها ، لأن اية مصلحة لك تكمن خارج حدودك فأن مصلحتك ستهدد مصالح الآخرين التي هم مستعدون للدفاع عنها، فعندما تضع في دستورك مادة تطالب بوحدة العالم الاسلامي ((ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا )) فأنك تروم بالتأكيد خلق تهديد لكل من تهدد هذه الوحدة مصلحته وهم الاقوى عددا وعدة ، اما اذا حاولت ترجمة هذا الهدف الى فعل فهنا تكمن المصيبة وخصوصا أذا كان هذا الفعل يتضمن الهيمنة على الشرق الاوسط الذي هو قرة عيون دول مقتدرة ترى ان الشرق الاوسط جاءها ارثا وهدية من ضعف حكام الامة العربية والعالم الاسلامي ، والويل لمن يقترب من هذه المصلحة العليا لأمريكا والغرب .اما من يتحرش بأبنتهم المدللة (اسرائيل) التي اوجدتها مصلحة الدول العظمى ايام محاولات محمد علي باشا توحيد الامة العربية يوم شعروا بالخطر فصرح وزير الخارجية البريطاني (( لا بد من ايجاد كيان يفصل مشرق الوطن العربي عن مغربه )) ولذلك نرى كم كابدت امريكا والغرب من مشقة وكم صرفت من اموال لتدعيم هذا الكيان الذي وصل الى حد امكانية تحقيق اسرائيل الكبرى من الفرات الى النيل ، والذي يقف بوجهها في تنفيذ هذا الهدف هو امريكا وليس الحكام العرب العاجزين كونها تريد الشرق الاوسط لها ولها فقط وليس لأبنتها .

قبل عقد من الزمن سألني مقدم برنامج على الفضائية السورية يوم كان المثقفين وغيرهم يتصورون ان ايران متحالفة مع امريكا سرا (تحت الطاولة ) فأجبته (( ايران وأمريكا يريدان الشرق الاوسط ، وهما قد (يتخادما) دون ارادتهما كما حصل في احتلال العراق اما ان يتحالفا فوق الطاولة او تحت الطاولة فهذا امر مستحيل ، وأن ضربة امريكا لا يران هي كقطار يسير على سكة لا بد له ان يصل المحطة يوما ))

اليوم ارى ان القطار قريب جدا من المحطة مع العرض ان الضربة قد لا تعني استخدام القوة العسكرية فأن تصدير ايران ل500 الف برميل فقط من نفطها ، عدا العقوبات المضمومة القادمة خصوصا وأن امريكا ترامب ليست امريكا في كل عصورها فهي اليوم امانة عامة للأمم المتحدة وهي مجلس امن وهي منظمات انسانية وهي كل شيء ولا يزعجها الاتحاد السوفياتي ووريثته روسيا الاتحادية التي اقتنعت بحصتها في سوريا فالناس يعرفون قدراتهم ومددوا حسب طول لحافهم كما يقول المثل العراقي، فهؤلاء عرفوا ان الثورية ليست بالتصريحات النارية وتهديد من هو اقوى منك بكثير .

لأيران خياراتها ، وستراتيجيتها ، وظروفها ، المختلفة عنا تماما فهي دولة (حكومة) ناهضت امريكا منذ اليوم الاول للثورة ، ولحد الآن .. اما نحن فجاءت بنا امريكا الى الحكم ، وتعاملنا معها كحكومة واحزاب وطبقة سياسية منذ ثمانينات القرن الماضي ولا نزل ، وجئنا بها ضيفة عزيزة وطبخنا لها الفسنجون ، واهدينا وزير دفاعها سيف حيدرة عليه السلام وتراكضنا خلف الوالي بريمر ، وزرنا اسرائيل وزرنا مقابر (شهداء) الامريكان في العراق ، واسمينا قاعدة كلية القوة الجوية العريقة باسم القتيل الغازي البطل (سبايكر) ولم نسمها باسم البطل التميمي الذي اسقط سبايكر ، فهل يصح ان ننقلب على اعقابنا ونصبح ثوريون.

(انصر اخاك ظالما او مظلوما) هذا حديث صحيح شرحه النبي ﷺ، قال ، وهذه كلمة تقولها العرب، وكان العرب عندهم تعصب ينصرون أصحابهم وإن ظلموا، واشتهر عندهم هذا: ، فلما قاله النبي ﷺ قالوا: يا رسول الله! كيف أنصره ظالمًا؟ قال: تحجزه عن الظلم فذلك نصرك إياه ، وهنا لا نقصد ان ايران ظالمة فكل صراع مع امريكا تكون هي الطرف الظالم ، فالمطلوب منا ونحن عانينا الحصار الامريكي القذر ان ننصح الجارة ايران من خلال تجربتنا المرة مع امريكا ، ونقول لها ان ما حصل لنا سيحصل لك ، وأننا رغم نصرنا العسكري عليك ألا اننا لم نصمد كثيرا امام القوة الغاشمة الامريكية وحلفائها الثلاثة وثلاثين ، ورغم ان لديك اذرع في اماكن عدة الا ان هذه الاذرع ستجوع بسبب العقوبات ، وأنه رغم ان هذه الاذرع غير رسمية الا ان ترامب اليوم لا يحتاج الى تقديم دليل للمجتمع الدولي على انها عائدة لكم او هي برأيه عائدة لكم، وسيكون رده عنيفا ، وهذه المرة اسرائيل لا تخجل من الرد وسوف لن يثير ردها زوبعة كما كانت في الماضي يوم لم ترد على الصواريخ العراقية بل قد تلقى ترحيبا، ولعل حرب تموز.. حربها مع حزب الله تذكركم بمواقف العرب والمسلمين من تلك الحرب .

أن يكون جارك واقفا في المطر وانت تحت سقف لا يعني انك عندما تقف معه في المطر ستقيده خصوصا وأنت لا تمتلك مضلة تقدمها له ، فنحن وهم والتحالف الدولي والموصل والفلوجة محتلة لسنين من لدن داعش ، ولدينا اكثر من مائة الف جندي وشرطي في بصرتنا ولم نتمكن من ايقاف عشيرتين عن القتال في الهارثة… فكيف الحال ان كانت الحرب مع الدولة العظمى في العالم كله والتي تحالف معها العالم كله مكرها .

ليعبر شعب العراق عن رفضه للعقوبات والحصار ولتعبر المنظمات الجماهيرية كالأحزاب وغيرها كذلك بنفس الطريقة التي عبروا بها عن رفضهم للنفوذ الايراني والامريكي سابقا ، اما الساسة من اصحاب المناصب الرسمية المعنيين بشكل مباشر (السادة رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع ، وزير الخارجية، رئيس هيئة الحشد الشعبي) فأمرهم مختلف ، لأن مناصبهم رسمية وتمثل (موقف الدولة) وكلما تصاعدت الأزمة كلما كان الحذر واجبا ، وكلما كانوا مسؤولين اكثر عن ترك العواطف وحقوق الجار المسلم علينا ، وحقوق صاحب الفضل علينا ، فحقوق شعب العراق المثخن بجراحاته منذ العام 1980 هي الاعلى والاقدس من كل حق ومن لا يتطابق معي انصحه بزيارة مقابرنا ويقرأ ما مكتوب على القبور .. الشهيد البطل م.اول فلان استشهد في معارك ديزفول، وفلان في معارك الشوش ، وفلان في حفر الباطن ، وفلان في الموصل وفلان في الفلوجة وفلان في قاعدة (البطل التميمي الذي اسقط الغازي سبايكر) فقلمي يأبى ان ان تكون قاعدة كلية القوة الجوية البطلة بأسم غازي محتل رغم ان البرلمان يدرس اليوم قانونا عنوانه الرسمي (ضحايا سبايكر) وسيسجل التاريخ لمجلس النواب ذلك . ومن لم يقتنع عليه ان يراجع ارقام الشباب المنتحر وأرقام من يستخرج طعامه من حاويات القمامة

قدمت بحثا في الندوة العلمية السنوية لجامعة البكر عام 1999 برعاية الفريق أول الركن سلطان هاشم وزير الدفاع نزيل سجن الحوت الذي استيعابه 4000 سجين وحشر فيه 10000 كان احد مقترحاتي فيه (( يبدوا ان علينا الترجل عن ظهور الخيل قليلا لنتفرغ لبناء بلدنا خصوصا وأن المعارك اليوم لا تجري في ساحات القتال بل في مراكز البحوث والمختبرات والمصانع )) ولم اشعر بالفخر لكلمات المديح التي قيلت لي (بعد خروجي طبعا) خصوصا وأني اقترحت ((دعوة المعارضة العراقية التي في الخارج لعقد مؤتمر مشترك في بغداد)) ، ولكني شعرت بالفخر بعد الاحتلال حيث استقلت سيارة (نفرات) ودفع عني الاجرة احد الركاب فلم اعرفه فقال لي انا اعرفك سيدي ( مو انت اللي نصحت ان ننزل عن ظهور الحصن ، واللي كلت خلي ندعيهم اجو بدون دعوة عساهم لا جو )

اختتم مقالي المطول (حيث منعتني اسرة الزمان الغالية ان احول مقالاتي الى اجزاء) ، اقول لكل من يتوقع ان في حرب الضعيف مع القوي (اوراق) يلعبها فعليه ان يتوقع ان يحول القوي الغاشم الاوراق لصالحه حسب منطق (حق القوة وليس قوة الحق) وسأناقش ورقة واحدة من اوراق الجارة ايران وهي غلق مضيق هرمز والتي سرعان ما ستوظفها امريكا لصالحها وتحول المضيق تحت الوصاية الدولية وتعده مضيقا دوليا وستحقق تحالفا عسكريا دوليا ضخما لا قبل لاحد بمواجهته

سأطيل رغم اني ذكرت الختام لأن لدي ختام ارقى وهو ان خاتم النبيين محمدا (ص) وهو الاقوى من الكل كونه مرسل من رب العزة ختم بخاتمه الشريف صلح الحديبية الذي كان من اكثر العقود ذلا في التأريخ وكان الامام علي (ع) كاتبا للعقد فلما رفض مندوب قريش ان يكتب ((هذا كتاب بين محمد بن عبدالله وفلان)) حيث قال انك لست رسول الله هاج الصحابة(رض) ورفعوا سيوفهم ورفض الامام علي كتابة ذلك فقال له النبي (ص) (( اكتبها يا علي)) .. وكان هذا العقد المذل كما اجمع المؤرخون هو المقدمة الحقيقية لفتح مكة ونشر الاسلام .. فليتعض الثوريون من الثائر محمد (ص) ولنلعق جراحاتنا ونريح (المغيسل) ونترجل عن ظهور الخيل وعن بغلة الطائفية الجرباء ، فضياع جزء من الكرامة والعواطف ونقص في المزايدات هي افضل من ضياع الكرامة كلها والاموال كلها وقبل ذلك دماء الشباب العراقي الطاهر .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *