العراق ومسألة الانضمام لمسيرة التطبيع

العراق ومسألة الانضمام لمسيرة التطبيع
آخر تحديث:

بقلم:ابراهيم الزبيدي

لن يستطيع المواطن الفلسطيني والعربي تقدير حجم الضرر الذي ألحتقه إيران وشعاراتُها ووكلاؤها وحلفاؤهاأبطالُ الثمن الباهظ الذي يهددون به إسرائيل إلا بمتابعة ما يكتبه الإسرائيليون، لمعرفة كيف يفكرون، وماذايريدون، وكيف يتحدثون وهم منتشون بالانتصار تلو الانتصار الذي يحققونه لا على الجيل الحالي من الفلسطينيين وأشقائهم العرب الآخرين، وحسب، بل على القضية الفلسطينية برمتها، وعلى المنطقة كلها.

فقد تحولت فلسطين، بالجهاد الإيراني وبفيلق القدس والحرس الثوري والمليشيات العراقية واللبنانية واليمنية والسورية، إلى ملفٍ مركون على رفوف الحكومات الدولية والعربية والإسلامية، بعد أن شغَل الإيرانيون والأتراك والإسرائيليون والأمريكيون والأوربيون والقطريون والإخوان المسلمون دول المنطقة وشعوبها  بالحروب والاحتلالات والغزوات والإنتكاسات، وأجبروها على الإنشغال بهمومها الوطنية، وإهمال أو تأجيل الواجبات القومية والإنسانية، والاستعانة بما كان محرما لديها من قبل، للدفاع عن وجودها، وتعزيز قدرتها على صيانة كرامة شعوبها وأمنهاورزقها. 

فالأوساط السياسية في إسرائيل منشغلة هذه الأيام بالتساؤل عن الدول العربية التالية التي ستلتحق بمسيرة السلام التي أنعشها الاتفاقان الأخيران،الإمارتي والبحريني، بعد مصر والأردن.

ويبدو أن هناك اقتناعا لدى عموم الإسرائليين السياسيين وغير السياسيين بأن تكون سلطنة عُمان والكويت والمغرب  وتونس والسودان هي التالية، بسهولة، وبلا جهد جهيد. إلا أن الجدل الساخن المحتدم بينهم هو هل الأهم هو انضمام السعودية أم انضمام العراق.

ففريق منهم يضع الاتفاق المحتمل مع المملكة العربية السعودية على رأس قائمة أحلامه، ويعتبره لحظة القمة، ويصفه بأنه (الكأس المقدس)، ويتمنى تحقيقه، بأسرع ما يمكن، وبأي الثمن.

وينطلق في توقعاته تلك من حقيقة أن السعودية هي زعيمة الدول السنية في العالم، باعتبارها أرض الحرمين، وبفعل قوتها الاقتصادية، ستمنح السلام بين العرب وإسرائيل قوة وديمومة، وقد تغري دولا أخرى ما زالت مترددة.

لكن محللين سياسيين إسرائيليين كباراً آخرين، ومنهم عيدان بارير محرر صحيفة أدعونوت أحرنوت، يخالفون هذا الرأي، ويشكّون في أن تكون السعودية هي (مغير اللعبة)، ويميلون بشدة إلى اعتبار العراق هو بيضة القبان،دون منازع.

ويبررون ذلك بالقول، نعم، إن السعودية هي الشريك الأكبر للامريكيين في الشرق الاوسط، والدولة الأكبر والأهم في العالمين العربي والإسلامي، ولكن الدور الحاسم في عملية صياغة شكل المنطقة، وإعادة هيكلتها، للعقود القادمة، سيكون من نصيب العراق.

فهم يعتبرونه ولاية أمريكية متقدمة في المنطقة، رغم ما يعكر صفو العلاقة الأمريكية العراقية، حالياً، من مزعجات ومُعرقلات لم ولن تمس العمق الواقعي الحقيقي الذي يُبقي أمريكا، برغم كل شيء، صاحبة القرار الأول فيه. 

بعبارة أخرى، إن العراق ليس حليفا لأمريكا ولا صديقا لها، مثل السعودية، قد يختلف معها ذات يوم إذا تعارضت صداقتها مع  مصالحه الوطنية العليا، بل هو ولاية أمريكية خالصة، وكيان صنعته أمريكا بيديها، وتشكله الآن على طريقتها، مهما قيل غير ذلك.

فقد استثمرت في هذا الشريك الاستراتيجي الكبير أكواما من المال، وأطنانا من المعدات والأسلحة المتقدمة المتطورة، وآلافا من ضباطها وجنودها، قتلى أو مرضى أو مشوهين، ولن تخرج منه وتدعه لغيرها، مهما كلفها من ثمن.

ورغم ما يبدو من نفوذٍ إيراني قوي، حاليا، في العراق إلا أن الحقيقة هي أنه في حالة انحسار وضعف وضيق.فالنظام الإيراني يحرص، من تحت الطاولة، على إرضاء أمريكا وإسرائيل، خلافا لخطاب مسؤوليها ووكلائها العراقيين واللبنانيين. ولولا ذلك لما تجرَّأ أولادُها المطيعون في حزب الله ومنظمة أمل على تبني ترسيم الحدود اللبنانية مع إسرائيل، وهو الذي يعتبر، بشكل أو بآخر، اعترافاًضمنيا بها وبحدودها.

ثم إن إيران هي التي فرضت تعيين رئيس الوزراء الجديد، مصطفى الكاظمي، رغم أنها كانت عارفة بولائه الأمريكي، ظنا منها بأنه سيوازن، بشكل مريح، بين نفوذها والنفوذ الأمريكي، ويحول دون الاصطدام الجدي المباشر بينهما في العراق.

وهذا ما دعاها إلى أن تأمر وكلاءها العراقيين المتشددين في الأحزاب والمليشيات والبرلمان بدعم ترشيحه لرئاسة الوزراء، رغم أنهم كانوا معارِضين لترشيحه بقوة وحزم، قبل ذلك.

ويعتقد الإسرائيليون بأن الكاظمي أكثر جرأةً من عادل عبد المهدي وحيدر العبادي. حيث بدأ يدير ظهره لجماعة إيران،رويدا فرويدا. ويبدو أنه ينتهج سياسة الابتعاد المبرمج والمدروس والحذِر عن إيران، والتقارب مع الولايات المتحدة وحليفاتها الدول العربية، رغم الإنزعاج الإيراني الذي ظهر بأشكال مختلفة.

وفي نظر الكاتب الإسرائيلي عيدان بارير أن الواقع المضطرب الحالي في العراق يؤكد أنه الأكثر ملاءمةً لإتمام المسلسل الخاص بالاعترف بإسرائيل.

والأمر البارز هو أن الكاظمي، بعد زيارته الناجحة لواشنطن قبل حوالي شهر، توجه مباشرةً لحضور لقاءٍثلاثي في عمان مع الملك الأردني والرئيس المصري تمَّ الإعلان في ختامه عن تشكيل تحالف “المشرق الجديد“، وهو ما أزعج إيران، وأثار عليه غضب الأحزاب الموالية لها.

وإذا ما حدث وفوجيء العرب بانضمام العراق إلى مسيرة التطبيع فسيختطف من السعودية مكانتها الأولى في العالم العربي، وسيصبح الحصان الجاذب الكبير الجديدلأكبر شركات الاستثمار العالمية، بفعل ما لديه من ثروات،وموقع جغرافي، وشعب عامل، بالإضافة إلى ما سيضيفه الوجود الأمريكي الفاعل فيه، وما سيحصل عليه من مساعدات أمريكية متزايدة لن تكون مقتصرة على الجانب العسكري، كما يظن كثيرون.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *