العودة إلى الأم

العودة إلى الأم
آخر تحديث:

ياسين النصير

من أطرف الأفكار المتداولة على الصعيد الدين والاقتصادي والمثيولوجي، هو أن نعيد كل شيء إلى الأم، والأم المعنية هنا، هي أنوثة الطبيعة،التي تحتوي المذكر في أحشائها، ومهما كانت تصورات الفنانين والفلاسفة والمبدعين، تحلق عاليا عن الطبيعة، تعود إليها برغبة الشد الأنثوية، هذه العلاقة بيننا والأم، ترتبط ببقاء الطفولة قائمة، كل شيء تريد تأنيثه الحقه بالثمر، فالأثمار تربط أي شيء بالأنوثة، وأطرف ما تصورته هو أن الإيقاع والوزن والقافية، ليس إلا مشدات أنثوية تعيد الشعر إلى الطبيعة الأم، وكأنها مساند تتوجه ليس للشعرية وحريتها، بقدر ما تضبط ايقاع أنوثة الطبيعة في الشعر. والقول لـبروكر “أن الإيقاع والموسيقى والشذى الغريزي  من مفردات الاستعصاء على التعبير، إنها ما لا يُعد جزءا من أية لغة بعينها “، أليست الطبيعة من المستعصيات الكبرى التي قاسمت كل الفلسفات منذ ما قبل الاغريق وإلى اليوم، هذه الديمومة الطبيعية ذات بنية أنثوية،  ربما سيكون هذا شيئا مضحكًا، من أن الطبيعة تراقب الإبداع البشري كأم، وكأننا نحن سكان الأرض مهما حلقنا في فضاء الخيالات وحققنا شيئا من الإنجازات العلمية، مآل تلك الإنجازات هوالعودة إلى أحضان الأم ، لتستقر هذه الخروقات العلمية والفلسفية في أحضانها الدافئة لتولد من جديد، وتعيد بنا التصور الكوني عن دورة الحياة وكأننا ماء البحر: تسلط علينا الحرارة، فنصير بخارًا، ثم غيمًا فمطرا، عائدين ثانية ماء إلى أعماق امنا الأرض، كي ترضع بنيها من النبات والحيوان والإنسان. انوثة دائمة تدر مطرًا حليبا. “فديالتيك المذكر والمؤنث تسير على وزن الأعماق. تسير من الأقل عمقًا، دومًا الأقل عمقًا(المذكر) إلى العميق دومًا(المؤنث) وفي عمق التأملات نجد المؤنث منتشرًا مستريحًا في اطمئنانه البيسط. كما يقول هنري بوسكو.
والسؤال يتعلق بالكتابة، ماهية الكتابة وتصورات الخيال، هي الأخرى جزء من علاقة الحرف بالطبيعة، ثمة أنثوية طاغية في الكتابة، هذه الاسطر التي تملأها، هي عملية جنسية للولادة، فـ”بروكر” وهو يكتب عن جوليا كريستيفا، يشير ضمنًا إلى الكتابة النسوية، من أنها في جانب منها، هو أن”المرأة تملك التعبير عن حوارها الجسدي مع الأم”، أنثى قي أحشاء أنثى كونية، وإنَّ الكثير من كتابات الأدباء تحمل الشعيرة الجسدية المتعلقة بالأم، ليس بامتلاك الجسد بايولوجيا على عناصر الذكورة والأنوقة، وهي – اشارة الطبيعة إلى امتلاك الكائن الحي عنصري التكوين-، إنما في التعامل مع اللغة ومع الأمكنة، حيث ثمة أنوثة تفرزها علاقات الجمل والكلمات والعبارات بالمكان، وانوثة أخرى تستوطن الأمكنة تفرزها لغة الألفة والمآوى والرحم الطبيعي، وهذه العلاقة تشكل جزءا مهما من الطابع الرومانسي الذي مايزال تأثيره قائمًا حتى في نصوص مابعد الحداثة، الأمر الذي يوسع من دائرة العلاقة بالأم، ويذهب نيتشه بعيدًا آلى طبيعة العجينة الكونية التي تخمرت بمئات الأيدي لبوذا كي يولد الإنسان المركب. “أنه لمهم أن نبحث ما إذا كانت النساء هنَّ من أعطى الأسماء المذكرة والرجال هم من أعطى الأسماء المؤنثة للأشياء التي تستخدم بصورة خاصة لاستعمال كل جنس”. 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *