المقلب الأكبر في تأريخ العراق المعاصر

المقلب الأكبر في تأريخ العراق المعاصر
آخر تحديث:

بقلم:اياد السماوي

لا شّك أنّ النظام السياسي الحالي في العراق بدستوره ومؤسساته الدستورية القائمة وأحزابه السياسية الفاسدة , هو بحد ذاته مقلبا تجرّع الشعب من خلاله فساد وانحطاط الحكّام الذين توافدوا على حكم البلد بعد سقوط الديكتاتورية .. وضمن هذا المقلب الذي تسبّب بالمرارة والألم وانعدام الأمن والفقر والجوع والفساد , كان هنالك مقلبا آخر ضمن هذا المقلب دفع الشعب العراقي ثمنه الباهض والمؤلم , ولعلّه المقلب الأكبر في تأريخ العراق المعاصر .. فبعد مسيرة سبعة عشر عاما من الفساد والانحطاط والخراب , يقفز على رأس السلطة التنفيذية شخص مغمور بكلّ شيء حسبا ونسبا وتأريخا ولا يمتلك أي مؤهلات للحكم .. شخص أهلّه لهذا المنصب دناءة وسفالة وفساد وانحطاط أحزاب شيعة السلطة , استثني منها فقط كتلة نوري المالكي وهي الكتلة الوحيدة التي عارضت وصول مصطفى عبد اللطيف مشتت لرئاسة الوزراء .. ومصطفى عبد اللطيف مشتت هو شاب عراقي ترك العراق في تسعينات القرن الماضي مهاجرا إلى بريطانيا , وعند وصوله إلى بريطانيا ادّعى أنّه المخطط لعملية اغتيال عدي صدّام حسين في المنصور وإنه استطاع الهرب من العراق والوصول إلى بريطانيا .. حيث كانت تعيش أغلب شخصيات المعارضة العراقية في ذلك الوقت في بريطانيا , وحينها لم يكن ممكنا التأكد من صّحة هذا الادعاء , فصدّقه عدد من شخصيات المعارضة العراقية , وكانت هذه الأكذوبة هي مفتاح التقرّب من هذه الشخصيات .. ثمّ انتقل بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليلتقى بالمعارض العراقي كنعان مكيّة الذي تبّناه في مشروع الذاكرة العراقية , وهو الذي أسكنه في بيته في المنطقة الخضراء في بغداد بعد سقوط النظام الديكتاتوري .. ومن خلال سكنه في بيت كنعان مكيّة الذي كان ملتقي لكبار العسكريين الأمريكان .. بدأت قصة تسلّق هذا الشاب إلى القيادات السياسية في البلد , بل وحتى إلى المرجعية الدينية في النجف الاشرف .

وشائت الأقدار أن يقود حيدر العبادي مؤامرة الإطاحة بزعيمه نوري المالكي ويصبح رئيسا للوزراء .. وهنا بدأ فصل آخر من فصول التسلل والاختراق لأكبر جهاز أمني في العراق , حيث أصدر حيدر العبادي أمرا ديوانيا بتعيين مصطفى عبد اللطيف مشتت رئيسا لجهاز المخابرات العراقي بالوكالة علما أنّه ليس عسكريا بل ولم يخدم يوما واحدا في حياته بالخدمة العسكرية ولا علاقة له قط بالعمل الأمني أو المخابراتي , سوى أنّه أخو صباح عبد اللطيف مشتت عديل حيدر العبادي , والمصيبة أنّه عندما تسأل حيدر العبادي ما الذي دفعك لتعيين شخص لا يملك أي مؤهل لهذا المنصب ؟ يأتي جوابه ( في فمي ماء ) قاصدا بذلك أنّ مرجعية النجف هي من فرضته بهذا المكان .. ومن هنا كانت بداية مأساة العراق الكبرى , حيث مهدّ له هذا الموقع الحساس القفز لرئاسة الوزراء بعد ذلك .. والكارثة أنّ عادل عبد المهدي الذي أخلف العبادي هو الآخر قد أبقى على مصطفى الكاظمي في منصبه رئيسا لجهاز المخابرات ولم يقدم على إقالته من هذا المنصب الذي يشغله بالوكالة .. ليرتكب هو الآخر خطيئة لا تقلّ عن خطيئة حيدر العبادي .. ثمّ تتلاحق الأحداث الدراماتيكية في زمن عادل عبد المهدي وتندلع انتفاضة الشعب ضد الفساد والفقر والمرض , لتوّفر الفرصة التي كانت تنتظرها أمريكا وعملائها في العراق بدفع مصطفى عبد اللطيف إلى رئاسة الوزراء في العراق ..

وحتى يكون هذا الكاظمي القادم من المجهول رئيسا للوزراء , فلا بدّ لرئيس الجمهورية برهم صالح الذي يقع على عاتقه تكليف مرّشح الكتلة الأكبر بموجب الدستور , أن يرفض أي مرّشح تتقدّم به الكتلة الأكبر باعتباره مرفوض من الجماهير المنتفضة .. وهكذا فعل رئيس الجمهورية بكل ما يملك من خبث سياسي في مسرحية تكليف محمد توفيق علاوي ومن ثمّ عدنان الزرفي , ليصل في النهاية لترشيح تلميذه الكاظمي إلى رئاسة الوزراء وبرضى أطراف الكتل السياسية الشيعية بهذا التكليف .. السؤال الأهم والأكبر في هذه الماساة هو كيف تقبلّت الكتل السياسية الشيعية ترشيح الكاظمي الذي لا يملك أي مؤهل ليكون مديرا لمدرسة ابتدائية أن يكون رئيسا للوزراء ؟ خصوصا تحالف الفتح وفصائل المقاومة التي تتهم جهاز المخابرات الذي يقوده الكاظمي بدور في قضية استشهاد المهندس وسليماني ؟ والجواب على هذا السؤال هو دناءة وانحطاط وسفالة وفساد الكتل الشيعية التي وافقت بهذا الترشيح ورغبة البعض منها بالسيطرة على الدولة العميقة , فالكتل السياسية الشيعية التي ترفض مرشحين أكفاء أمثال محمد شياع ومحمد توفيق علاوي وتقبل بمصطفى الكاظمي , لا شّك أنّها فاسدة ومنحطّة وحقيرة .. وهكذا نجحت أمريكا بتمرير مرّشحها لرئاسة الوزراء مصطفى عبد اللطيف مشتت ليكون المقلب الأكبر والمهزلة الأعظم في تأريخ العراق المعاصر , وليقدّم حكومة المستشارين الأفاقين.. فهنيئا لكل من ساهم بهذا المقلب الكبير سواء كان بغبائه أو بخبثه أو بفساده أو بعمالته للأمريكي ..

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *