المواطن العراقي، واللصوص الثلاث

المواطن العراقي، واللصوص الثلاث
آخر تحديث:

 محمد الشذر 

روى لي والدي انه في خمسينات القرن المنصرم، كان هنالك ثلاث لصوص، يقومون ليلا بالسرقة، وكانت السرقة آن ذاك تشمل “الحلال” -كلمة في اللهجة العامية تعني المواشي والاغنام-، وفي صباح اليوم التالي يجلسون في احد مقاهي المدينة، المعروفة وحين يأتي الشخص المسروق يبحث عن ما يخصه، يتوسطون له ويقولون؛ سنجلب لك ما هو لك مقابل مبلغ مالي، فيقوم بالتسليم على انهم هم الوسطاء! ويذهب ليجد ما يخصه في مكان معروف، “هورة خليل”-احد المناطق التي تملأها المياه، في مدينة الشطرة.

دارت عجلة الزمن ودفة الحكم تنتقل بين حين واخر، من جهة الى اخرى، حتى وصلت الى ما وراء 2003، اي بعد تحرير العراق، او احتلاله، فلا غبار على التسمية، فلم تتغير تلك الوجوه كثيرا، ولم يختلف حزب البعث عما تلاه، فنفس النفس الطائفي، تم ممارسته، فحزب البعث الذي يديره ذوي الافواه العوجاء سابقا، وتوزيع المناصب على كل من هب ودب بمجرد انتمائه لعوجة صدام، او تكريت برزان وجلاوزته، ليتسنمو المناصب السيادية في الدولة، رغم عدم دخول الكثير منهم الي اي جهة تعليمية، لا بل حتى لم يجتازوا التعليم الابتدائي!

نفس التجربة البعثية تم استنساخها، في الحزب الحاكم الذي حكم العراق لثمان سنوات، ليدخله في دوامة توزيع المناصب السيادية على كل من هب ودب، ليعود العراق الى المربع الاول، في طاولة توزيع المناصب، لتتبعثر امواله، في الخارج، وتنسف الميزانيات، وتضيع الاراضي، والادهى من ذلك سفك الدم، وسار في الشوارع حتى اختلط مع الانهار.

حكاية والدي الخمسينية، يبدوا انها تطابقت الى حد كبير مع ما يجري اليوم ولكن بتغيير المسرح، واختلاف انتاجياته، وكثرة شخوصه، ورنانة الاسماء التي تقوم بالعملية!

حتى وصل ان تطابق المثل السائد في ريف الجنوب “عجول وانهدت عالعلف” اي كتلك الماشية التي لم تأكل، وقمت بفك رباطها امام الطعام، لتسرع للأكل بشراهة، وهذا ما حصل فعلا بالنسبة لبعض الساسة الذين استلموا الحكم، لينقضوا على الميزانيات والاموال مثل “عجول وانهدت عالعلف”!

الغريب ان الشعب كذلك الذي يساوم على ماهو ملكه في يد غيره! فالمسؤول رغم قبعه على اموال غيره، وسرقته لقوت الشعب، وتمادى به الامر ان يتجاوز على الاراضي ليمنحها لغيره، كي لا يغضب من جلبوه على دباباتهم، وكل هذا والشعب يبرر تصرفاتهم، ويذهب ليساومهم على ماهو ملكه، بل راح يقبع تحت تصرفاتهم وسذاجتهم، ورعونية قيادتهم، وسيعود في الانتخابات القادمة، ليعيد نفس الاسماء لكي يستحوذوا على ماتبقى منه! لكنه يستطيع المساومة والدفع؛ لاستعادة ما سرق منه في المرة القادمة.

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *