الميليشيات الإيرانية والاستثمار في انتخابات العراق

الميليشيات الإيرانية والاستثمار في انتخابات العراق
آخر تحديث:

بقلم: حامد الكيلاني 

تقلبات الأهواء في ترشيحات انتخابات العراق البرلمانية مستمرة بأجزاء التوقيتات، بما يعطي انطباعا عن حجم التردد والارتباك في حسم توجهات المرشحين ومواقفهم لغياب البرامج وحضور الاصطفافات، توجساً من فقدان أو تبذير الأصوات أو حساباتها للفوز بالمقاعد في ظل الزعامات التقليدية.

بعض الأحزاب بدون قواعد وبلا ورقة عمل، تتجاذبه رغبة العمل المربح في سوق السياسة وتنفيذ الأوامر، وجميعهم تنتابهم نشوة من الفرح الجماعي حتى مع خصومهم، كأنهم في احتفالية أنْستهم ما كان منهم ومن أحزابهم طيلة سنوات من تجربة الاحتلاليْن الأميركي والإيراني للعراق.

لو كان بعض غبطتهم وهمتهم في حلم التهافت على مكاسب السلطة انصرف لخدمة بيئاتهم الانتخابية وبهذه الروح الجماعية بين الفرقاء، لما كانت بيننا اليوم أسلاك شائكة صنعتها جرائم السياسة وحماقات الأحزاب ومقولات قادة الميليشيات التي مسخت البيوت العامرة إلى مخيمات نزوح وتشرد، وفتحت بلاد الرافدين لموجات الإرهاب من تنظيم الدولة أو تنظيم دولة ولاية الفقيه.

تجارب الدورات الانتخابية بعد الاحتلال أنتجت نظاما سياسيا نسج على منوال المحتل وبأدواته، حيث سلمت معظم الخيوط إلى منتجها الأول. لم يكن الاحتلال الأميركي إلا مرحلة انتقالية لإطلاق المشروع الإيراني على أرض العراق، ومنه إلى أرض أمتنا العربية في مخطط استعار تطورات الواقع السياسي بعد نهاية الحرب الإيرانية العراقية واستثماره لأبعد مدى مع استلام الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لإدارة البيت الأبيض، في محاولة وثيقة الصلة بفشل الاحتلال ومسوغاته وخسائره المادية والبشرية، إذ أن انسحابه من العراق في اتفاق الإطار الاستراتيجي كان بمثابة رد للجميل واعتراف صريح من الإدارة الأميركية للنظام الحاكم في إيران لتحمله تبعات السياسة الأميركية وخلاصها من المأزق العراقي في توقيتات محددة.

التخادم والتجاذب بين أميركا وإيران لا جديد فيهما بحكم تنفيذ استراتيجيات عابرة لتقلب مزاج العلاقات بين البلدين، وإن بدت في زمن إدارة الرئيس دونالد ترامب بمفاعيل مواقع التواصل الاجتماعي وبتغريدات قد يراها بعضهم فاقدة لمؤثراتها تماما، ومجرد كلمات أو رسائل بلا معنى، لكنها مع ذلك تشكل صورة لمتغيرات هذا العالم ينبغي الالتفات إليها ووضعها في حيز الاهتمام، لأنها في نهاية المطاف رسومات مركبة ومقتطعة سرعان ما تنطوي على وحدة موضوع تفسر لنا مخاطر تجاهل إرادة الدولة العظمى.

احتوت الترشيحات الانتخابية أحزابا وشخصيات متلونة تعرف عليها الشعب العراقي اتسمت بالاضطراب النفسي لانطوائها على ثقافة تحتجز مجمل إبداعات الإنسانية من فن وجمال ولغة وأدب في مجموعة ممارسات وعادات وتقاليد من زمن الاحتكار والعبودية وتطرف الخضوع العقائدي والديني والعشائري.

فما هي مساحة الحرية الفكرية التي تتحرك بها نماذج من قادة الميليشيات، أو زعماء الأحزاب الطائفية والمذهبية، أو حتى من الزعماء السياسيين الذين أفرطوا في الشكوى من أحوال أهلهم وتداعي مدنهم وانتقلوا بدراية أو لسبب ما إلى قادة مطالب على أبواب دعاة المشروع الإيراني.

سألت قبل مدة أحد اللاعبين في حلبة تمجيد زعماء الميليشيا والسلطة عن غايات انحيازه الفكري بالضد تماماً من بيئته الثقافية والمذهبية والاجتماعية. أجابني بصراحة أملتها ثقته بسطوة الميليشيات على مناطقهم كقوة مسلحة متنفذة، وأيضاً لأنهم ضمانة استمرار للحياة والعمل، والأهم الإبقاء على وسطاء معروفين بولائهم لهؤلاء القادة وإن كانوا من طيف مختلف، لأنهم يؤدون وظيفة تعجز عن أدائها الحكومة والقضاء في فض النزاعات أو إعادة المخطوفين وغيرها من مقايضات بحلقات متسلسلة.

حزب الدعوة وقاطرة الميليشيات الصِرفة بتحالفاتهم الصريحة تسحب الانتخابات البرلمانية بمحركات سياسية تسعى لنيل المقاعد في البرلمان المقبل، باعتمادها على قاعدة ولاية الدم والأحقية في تمرير قوانينها وأفكارها على مقاس دماء شباب العراق وتضحياتهم الذين تبرعت بهم الميليشيات والفتاوى إلى ولاية المرشد خامنئي ليكونوا وقوداً لبداية إطلاق المرحلة التالية من مخطط تثبيت الهيمنة الإيرانية كحالة مفروغ منها في الحياة السياسية على المدى البعيد في برلمان العراق.

النظام الإيراني بعد تدميره الديموغرافي لأكثر من ثلث مساحة ومدن العراق وتقاسمه الإرهاب مع تنظيم داعش وفرضه لواقع دولي يجيز التدخل العسكري المتعدد، اغتنم الفرصة كاملة لفرض إرادته على إقليم كردستان ومدينة كركوك بتعقيداتها، بعد تهميشه لإرادات مدن عربية عريقة وبوسيلته الداعمة لحكومة العراق وقراراتها كما في مقولة التدخل الشرعي بطلب من الحاكم في سوريا.

انسلّتْ إيران من بين أقدام الدول الكبرى كطرف مساعد وغير محوري، لكنها بعد مهمة القضاء على تنظيم داعش المعلنة اتخذت موقعها في رسم سياسة إقليم كردستان وعـلاقته بالمركز أو بسـط نفوذها الميليشيـاوي على المـدن الغنية بالنفط والغاز.

إيران تسعى لجرجرة النفوذ الروسي إلى العراق كمظلة وقاية لها من وابل تعقيدات ظروفها الداخلية بما كشفت عنه انتفاضة الشعب الإيراني، فأبواب النفط ومشتركات حل الأزمات تفقد روسيا وإيران الكثير من الالتزام في مخارج علاقتهما مع الجانب الأميركي في ما يتعلق بالأكراد في شمال سوريا، وموقف تركيا الأخير من كل الأطراف، أو علاقتهما مع بعضهما البعض بحكم سطوة القوة الروسية في الساحة الدولية والقرار الدولي.

روسيا اتهمت الولايات المتحدة بتدبير الهجوم بطائرات درونز على قاعدتي حميميم وطرطوس، ثم وجهت الأنظار إلى أوكرانيا باعتبارها من بين الدول المنتجة لهذا النوع من الطائرات.

الحقيقة أن التسليم بتلك الروايات يعيدنا إلى تشظي الاتهامات الإيرانية في التحريض على الاحتجاجات، لكن في كل الأحوال إمكانية الصراع بين أميركا وروسيا على الأرض السورية واردة في سلوكهما تحت بند الاشتباكات الغامضة والمتبادلة إلى حين إنضاج النيات.

المستفيد الأكبر هو النظام الإيراني وروسيا وعلى طريقة مغانم الحاكم السوري من دعم الإرهاب. السياسة الإيرانية تعمل كدليل لإيصال النفوذ الروسي إلى مقاعده في ظلام المنطقة التي يفتك بها الإرهاب الأصولي والإرهاب الإيراني وغموض الإستراتيجية الأميركية.

إيران امتلكت ناصية صناعة طائرات الدرونز، وطالما تفاخرت بها وبدأ خط إنتاجها مع نهايات حربها ضد العراق، وسبق إسقاط العديد منها في التسعينات من القرن الماضي، وممكن جداً لإيران بسياساتها المعروفة وبتعاونها الاستخباري أن تحقق مع روسيا خدمات تكتيكية لها صلة بالواقع السوري أو بخدمات جيوسياسية بالغة الأهمية على خلفية الاصطياد في حقل التجاذبات مع الولايات المتحدة، أو في القضية الفلسطينية من جهة، ومردودات العلاقة الخاصة بين موسكو وتل أبيب من جهة أخرى.

محور روسيا وإيران وسوريا تجاوز كل الخطوط الحمراء في مهازله وعدم مبالاته بحياة الملايين من الشعب السوري وأيضاً بتعهداته المتتالية في أستانة. إيران تفتح الطريق لروسيا في انتخابات العراق المقبلة، وبتخطيط وتنسيق روسيّين مماثليْن لصفقات بأماكن أخرى، فهي لا تتوانى عن وضع أراضيها وقواعدها الجوية في خدمة القوات الروسية، لأنها بطموحات إمبراطورية وعقائدية أكبر من طاقات نظامها السياسي والاقتصادي.

المفوضية العليا للانتخابات في العراق ستنهي وتقفل مزاد يومها الأخير بذات التحالفات والزعامات التي أنتجت العملية السياسية بنظام المحاصصة الطائفي وبمرجعية خارجية تتأرجح بين الولايات المتحدة الأميركية ونظام المرشد الإيراني وما بينهما من مشاريع دولية ومقابر جماعية دون محاصصة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *