النص…كلمات أم اشياء

النص…كلمات أم اشياء
آخر تحديث:

ياسين النصير

عندما نقرأ قصيدة ، رواية ، أونشاهد عرضًا ، أو نتأمل لوحة ، أو  استعراضًا ، علينا أولًا أن ندرك أنَّنا أمام مجموعة لغات تآلفت في ما بينها لإنتاج هذا النص،  لأننا لا نفكر فيه إلا من خلال كلماته ، وحقيقة الأمر ليست الكلمات كليَّة النَّص، كليّة النَّص أشياؤه، بما فيها اللغة، وبما أنَّ الكلمة في الفلسفة شيء ، فسيخضع النَّص لطبيعة أشيائه. لايعطي المطبخ معنى كاملًا لعملية الطبخ من خلال الكلمات المؤلفة للـ “المطبخ”، ولكن عندما نتصور أن المطبخ  علاقة بين الأشياء، عندئد يكون الطعام نتاجًا للأشياء . فالشيء ليس إلا ذلك التكوين المركب من ممارسات اللغة، وبالتالي عندما نقرأ قصيدة، نقرأها وفق العلاقة بين أشيائها .
في المرحلة الثانية، لفهم النَّص ، هو أن نحول الأشياء إلى  علامات ، لأن ” العلامة شيء يمثل شيئًا آخر في الذهن” ، أيّ أن مركز العلامة هو الشيء ، وليس الصورة الذهنية كما عند بيرس، لأنَّ الشيء يحيل إلى شيء آخر، ولأنَّ الشيء يمكن أن يكون علامة نفسه” بمعنى أن هذه المرحلة لفهم النص تجرد الكلمات من محدوديتها الأسمية أو الفعلية وتطلقها في فضاء النَّص كأشياء كونية لها صوتها ومعناها وتشكيلاتها. سنجد أنفسنا أمام قراءة سيميوطيقية للنَّص، قراءة مؤلفة من حركية العلاقات بين الاشياء . فالكلمة الشيء ، كانت المرافق الحقيقي لمسيرة المعرفة  الإنسانية منذ أن كانت تعني الأسطورة ، وإلى أن أصبحت تعني الثقافة والحضارة، والخطاب.
الشيء الثالث، لفهم النص، هو أن نقرأ النص ونحن نسعى لفهم عنصرين أساسيين: هما الدين والأخلاق، ولن يكون في تصورنا أن الدين والأخلاق هما الثوابت القارة، لا إنما هما أسبق من النصوص الأدبية في تثبيت قيما إنسانيَّة . إن أساس الوعي بما نقرأ يبدأ بمعرفة هذين المكونين ، فالدين يمتلك منظومة متكاملة لفهم الحياة وفق رؤيته، كما أن الأخلاق تمتلك التنظيم الذي يربط بين المعرفة والحياة العامة، وأي خرق لهذه المنظومة يعني ثمة تجديد، لأن النصوص الإبداعية قد تتجاوز على المفاهيم السابقة لهما بحجج أنها إنتاج بشري قابل للأسئلة والاحتمالات، وحتى هذا الفهم لحرية معاني النصوص ، لا يتم إلا بناء على فهمنا لمفاهيم الدين والأخلاق بشكل عام.  وبدون ذلك الفهم لايمكن أن نحيل أيّ نص إلى مديات أبعد من كونه نصًا يقرأ. ففي بداية التفكير، كانت كل الأشياء تتحول إلى لغة تُجير لصالح الأديان دون الوعي بها، ولذلك أصبحت لغة الأديان مقدسة لأنها أخضعت الأشياء لها، ولكن ما أن حضرت الأخلاق بمعنى اكتشاف القيمة الإنسانية للوجود حتى أعيد قراءة الأوليات التي ذهبت للأديان، فإذا بالقراءة تفتح أفق الشيء لإحتواء الكلمة، لنجد أنَّ الحرية ليس لغة فقط، إنَّما أشياء، ولا تقتصر على الطقوس،  بل تنفتح على المجتمع والتنظيم والعدالة والحرية ، فإذا استطعنا أن نقرأ نصوصًا بمثل هذه الرؤية، ستكون القراءة حلقة وصل بين التفكير الديني والأخلاقي المعتمد على الكلمات، و التفكير المعتمد على الأشياء التي تطرحها النصوص.  لا تبدو العملية النقدية  ممكنة إلا بمثل هذه القراءة الجدليَّة. 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *