الواعظ غير المتعظ …

الواعظ غير المتعظ …
آخر تحديث:

حسين الصدر

– 1 –
أهم صفة مطلوبة في الواعظ لنفاذ وعظه الى القلوب هي ان يكون متعظاً…والحقيقة المرّة :ان الواعظين المتعظين قليلون ..!!  وهذه محنتنا بالوُعّاظ …يجري ذلك في الوُعاظ بكل أقسامهم …وأهم هذه الأقسام اليوم :الوُعّاظ السياسيون الذين يعظون بالنزاهة وهم عنها بعيدون ..!!ويعظون بمراعاة القوانين وهم يخترقونها شر اختراق .وكل ذلك يشي بالازدواجية وسوء الاخلاق ..!!

– 2 –
يقول أبو العتاهية – الشاعر المعروف  :
إنّك إنْ تستنشق الشحيحا/ وَجَدْتَهُ أنتنَ شيءٍ رِيحا/ ومن منّا لا يفر من الرائحة النتنة ؟
ومن يقرأ هذا البيت يخيّل اليه ان ابا العتاهية كان رجلاً بعيداً عن الاتصاف بالشحّ، هذا الداء الذي تزكم رائحته الأنوف …
ولكن الإطلاع على سيرته يكشف شيئا آخر ..!!
يكشف ما جاء عنه من الأخبار بأنه من البخلاء الشحيحين المقترين على انفسهم غاية التقتير والمانعين الماعون …!!فأشعارُه غيرُ أخبارِهِ ..!!
ولا نذيع سراً اذا قلنا :ان اختلاف العلن عن السر والظاهر عن الباطن، والتغني بالقيم مع الإعراض عنها في الميدان العملي، مؤشراتٌ خطيرةُ الدلالةِ على الافلاس الروحيّ والأخلاقي والانساني . ومع هذا الافلاس لا يحظى صاحب هذه الالتواءات والمنعرجات باحترام الناس ، كما أنه بعيد عن الله ..!!

– 3 –
” وقف عليه سائل … من الظرفاء وجماعة من جيران ابي العتاهية حوله – فساله فقال:صنع الله لك (اي اعطاك الله)، فأعاد عليه السؤال ثانيا وثالثا فكان ردّ ابي العتاهية واحداً 
فقال له السائل: ألستَ القائل :
كلُّ حيٍّ عند ميتتِهِ/ حَظُّه من مالِهِ الكَفَنُ
ثم قال له:بالله عليك أتريد ان تُعدّ مالك كلّه لكفنك ؟
قال:لا 
قال:فكم قدّرتَ لكفنك ؟
قال:خمسة دنانير 
قال:فهي اذن حظك من مالك ، فتصدّق عليّ بدرهم واحدٍ من غير حظك 
قال :لو تصدقتُ به عليك لكانَ من حظي 
قال :فواحدة أخرى :
وهي ان القبور تحفر بثلاثة دراهم ، فأعطني درهماً وأقيم لك كفيلا باني أحفر لك قبرك متى مُتَّ وتربح درهمين لم يكونا في حسابك، فان لم احتفر رددتُه على ورثتِكَ أو رَدَّهُ كفيلي عليهم، فخجل ابو العتاهية وقال :
اعزب،لعنك الله وغضب عليك ثم قال ابو العتاهية:
من أجل هذا وأمثاله حُرّمت الصدقة ، فقالوا له:مَنْ حرّمها؟
ومتى حُرمّت ؟
وهنا نلاحظ :ان السائل الظريف لبس جبة القاضي وبدأ يحاسب ابا العتاهية حساباً دقيقاً عن أقواله، ويظهر له البُعد بينها وبين ما هو عليه ..!!
ولو ان الذين يرفعون أصواتهم بالاحتجاج على ما يطرحه بعض الوّعاظ المنبريين من خرافات وأساطير، وأخبار مفتعلة مرفوضة، وآراء شاذة…
عمدوا الى ما عمد اليه هذا السائل لتخلصنا من مشكلات كثيرة بحلولٍ لا تحتاج الاّ الى الشجاعة والنباهة ..!!

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *