“ببلاوي” عراقي … بقلم علي حسين

“ببلاوي” عراقي … بقلم علي حسين
آخر تحديث:

قديما شبّه

سياسي عربي العراقيين بالألمان.. عقول تبني.. لكن هناك من يهدم كل شيء.. تذكرت هذه المقولة، وأنا أقرأ تعليقات عدد من الأصدقاء حول اختيار “حازم الببلاوي” رئيسا لوزراء مصر.. وأصغي لتساؤلات البعض حول عجز دولة بحجم العراق عن أن تقدم للمشهد السياسي رجالا بحجم البرادعي والببلاوي وغيرهم من الأسماء التي يتداولها المواطن المصري البسيط هذه الأيام، فيما المراقب للمشهد السياسي العراقي يكتشف أننا دخلنا جميعا في المجهول، والسبب لأن لدينا سياسيين لا يملكون الحد الأدنى من القدرة على ترجمة طموح الناس بدولة ذات مؤسسات قادرة على إدارة البلاد..

اليوم ينظر المواطن العراقي إلى متصدري واجهات المسؤولية والسلطة.. يتمعن في ملامحهم.. إنهم متجهمون
يعتبرون أنفسهم في مهمة مقدسة، تستحق من الشعب السمع والطاعة.. بينما الكثير منهم في الحقيقة فاشلون.. يعيشون في الخيال الذي يصور لهم أن “التجهم” وتقطيب الوجه والخطابات النارية، هي التي ستحل مشاكل الناس.. حتى أننا وجدنا رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي، حين أراد أن يثبت أنّ له قدرة على إدارة البلاد، تصور أنّ هذا يعني التلويح بالأصابع، وإظهار الشراسة من خلال تقطيب الوجه.. رغم أن ألف باء إدارة البلاد هو في تحرير الكفاءات ومنحها فرصة المشاركة في البناء.. اليوم حين يجد المواطن العراقي ساسة مصر ممن قادوا ثورة التغيير يترفعون عن المناصب من اجل إفساح المجال أمام أهل الخبرة والكفاءة، يتحسر على عشر سنوات من ديمقراطية عرجاء، لم يترك له الخيار فيها سوى المقارنة بين الجعفري والمالكي وعلاوي.. فيما مؤسسات الدولة امتلأت بأناس عطلوا كل الخبرات.. وأبعدوا أصحاب الكفاءة من أجل إفساح المجال لأهل الثقة والعشيرة والمذهب والحزب..‎ ‎الموضوع في مصر لم يكن منافسة سياسية، وإنما كيف تستطيع أن توظف السياسة لخدمة الناس.. وهذا ما لم نره بعد أكثر من 10 سنوات من حكم أصحاب الوجوه المتجهمة.

جميعنا يتذكر بيان المالكي الشهير الذي قرأه على مسامعنا في 20 كانون الأول عام 2010، حيث أقسم فيه بأغلظ الأيمان بأنه سيعمل على ترسيخ عدد من المبادئ أهمها، التأكيد على محاربة الفشل و أن الحكومة ستفتح الباب أمام الخبرات الوطنية والكفاءات المهنية.. إلا أنّ الذي حصل إن الحكومة بعد أول جلسة “استخارة” استعاذت بالرحمن من شيطان أصحاب الكفاءات، الذي سيكشف حتماً عجز وقلة حيلة سياسيينا، فقررت أن تسد هذا الباب وتستريح لتكون مؤسسات الدولة حكراً على أهل الثقة لا أهل الخبرة.. وهو نظام أثبت فعاليته في معظم البلدان التي ترفع شعار لا صوت يعلو فوق صوت القائد..

أزعم أن السيد “الثقة” هو النموذج السائد الآن في مؤسسات الدولة، بمعنى أنه تعبير حقيقي عن الحالة السياسية، ومن ثم سنجد ألف ألف من “الثقة” في مجالات عديدة وليس فقط في السياسة، ولن نحتاج مجهودا كبيرا حتى نجدهم في كل مكان، فقد طفحت شاشات الفضائيات طوال السنوات الماضية بعدد لا بأس به من نموذج “أهل الثقة” الذين يظهرون كلما احتدم الصراع على المناصب والمكاسب، لتجدهم يقفون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه الاقتراب من قلعة الحكومة الحصينة.

لو كنا نحترم الكفاءات ونقدر قيمة الخبرة العلمية والمهنية، لما تجرأ نائب لم يبلغ سن الرشد السياسي ليقول إن “قرار مجلس الوزراء القاضي بإقالة سنان الشبيبي خطوة بالاتجاه الصحيح” وينسى النائب “المبتدئ” أن الشبيبي كان ضمن أفضل خمسمئة شخصية عالمية كفوءة.. وهذه القائمة لم تضمّ رئيس وزراء مصر السيد حازم الببلاوي مع احترامنا الشديد لكفاءته وعلمه في مجال الاقتصاد.. فماذا يعني هذا؟.. يعني أننا نعيش في ظل ساسة يجيدون فن الشعارات، ويكرهون الكفاءات وأهل الخبرة

في كل دول العالم يسبق المسؤول، مستشاروه. فيما المسؤول العراقي يصل من ” الحزب والعشيرة ” وهو يدّعي ختمه لعلوم الأرض والسماء. ويعتقد أن التفويض الذي منحته له الناس في صناديق الاقتراع، يسمح له أن يتجاهل معايير الكفاءة، وأن يكون الانتماء الحزبي وحده هو معيار اختيار رجال الدولة، فنجده يختار المنتمي لحزبه أولاً، ثم المنتمي لعشيرته، ثم المنتمي إلى الأحزاب المؤيدة له،وهو ما حذر منه مهاتير محمد باني ماليزيا الحديثة حين قال: “قد لا تنتج الانتخابات وصول أفضل المرشحين إلى السلطة، من الممكن للرشوة والخداع باسم الدين والمحسوبية أن تأتي بالنصر لأقل المرشحين أهليةً لقيادة الدولة… فنرى كيف يطلق حزب حملته خلال صلاة الجمعة الجامعة و يهدد بمكبرات الصوت بكراهية الذين يعارضونه.. من أجل أن تدلي الناس بأصواتها لمن ليس لديه القدرة على القيادة و لكن لمن هم محتالون بدرجة تكفي لخداع الناس.”

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *