حساباتنا الختامية ليست بخير !!

حساباتنا الختامية ليست بخير !!
آخر تحديث:

 بقلم:باسل عباس خضير

اغلب شعوب البلدان ليست لديهم اهتمامات او ثقافة بخصوص الموازنة العامة للدولة وحساباتها الختامية ومواعيد إصدارها ، ليس على طريقة ( الشهر اللي مالك بيه خبزة لا تعد أيامه ) وإنما لان ما يهم أكثرهم هي النتائج وليس التفاصيل ، وليس غريبا القول إن معظم دول العالم فيها فساد ولكنهم لا يكترثون له وربما لا يعطونه الأولوية في الأحاديث لان نسبة الفساد لا تؤثر على معيشة السكان او في توفير المتطلبات الأساسية للحياة ، وربما لو كانت نسبة الفساد في بلدنا حالها حال تلك السائدة في بعض البلدان لما أصبح الفساد موضوعا يتحدث به الجميع ومن كثر الكلام فيه راح يقوي الفاسدين ، وهناك فرقا بين فسادهم وفسادنا فالفساد في اغلب دول العالم يتم الكشف عنه ومحاسبة مرتكبيه آجلا أم عاجلا أما بعض الفساد عندنا فانه قضية مؤجلة منذ عقود او سنين ، وعودة إلى موضوع الموازنة فان الاهتمام الشعبي بها بدأ بعد تغييرات 2003 لان السنوات التي ملأتها الحروب والحصار خلت من الموازنة بالمعنى الصحيح لأنها خصصت للعسكرة وغيرها من الأسبقيات ، وحين عادت الموازنة للعراق أصبحت الأكثرية تتكئ عليها لأنها حشرت بمعظم أمور الحياة فكل التفاصيل ترتبط بالموازنة ، لذا فان الناس يراقبون صدورها وإقرارها لان التعيينات والترفيعات والعلاوات فيها والنفقات بأبوابها والجبايات من نصوصها ، ومن خلال وجهات نظر العديد من الاختصاصيين والمتابعين من الداخل والخارج فان الموازنات الاتحادية للسنوات 2004 – 2019 اشتركت بصفات متلازمة تحولت إلى مزمنة ، أبرزها الضعف والعجلة في الإعداد وغياب الأهداف ونمطية التخصيص وضعف اعتمادها على المعايير وعدم قدرتها على تحقيق الأهداف والاختلاف الكبير في مناقشتها وتأثرها بالضغوطات وانخفاض مردوداتها الاقتصادية والاجتماعية ومحدودية تحقيقها للتنمية المستدامة وكثرة العجز المخطط والفعلي ( الحقيقي والوهمي ) ، وفي الكثير من المرات شهدت تحولها إلى مساومات وتسويات او لمعارك قبل وأثناء وبعد المصادقة على موادها والتأخر في مواعيد تنفيذها وبشكل اوجد الحاجة لموازنات تكميلية لمعالجة او زيادة ما أمكن من عيوبها .

وبسبب بعض الصور المشوهة في إتباع أصول الموازنة فقد سادت حالة من الاختلاط او التداخل في مفاهيمها حيث بات التركيز على موضوع الموازنة وإصدارها دون الاهتمام بقائمة المركز المالي والميزانية والحسابات الختامية ، فقائمة المركز المالي هي قائمة توضح أصول والتزامات وحقوق ملكية الدولة في أي لحظة محددة ، أما الميزانية العمومية هي ذاتها المركز المالي ولكنه في نهاية الفترة المالية المحاسبية للدولة أو الوحدة المحاسبية ، أما الموازنة فهي تعد مسبقا على تقديرات مسبقة يتم أخذها كأداة رقابية على العمل خلال العام المالي حيث توضع في بداية الفترة المالية ، ومن النقاط السلبية التي تسجل على الموازنات الاتحادية إضافة إلى ما ذكر أعلاه ، هو تأخر إعداد الحسابات الختامية مما يجعل الموازنات أحيانا بدون لون او طعم او رائحة لان الحسابات الختامية هي التي تحدد المركز المالي كما إنها الأداة المهمة التي يجب أن يعول عليها في إعداد الموازنات وفي قياس قدرة الموازنات على تحقيق الأهداف ، فالموازنة أداة للتخطيط والحسابات الختامية تقارن المخطط بالمنفذ لمعرفة نسبة التنفيذ على الأقل ، ومن المحزن فعلا أن تترك الحسابات الختامية على جنب ويتم إعداد الموازنات بعيدا عنها والسبب هو الفارق الزمني بين ظهور الحسابات الختامية وإعداد الموازنات والتي أصبحت تمتد لسنوات ، فقد أعلنت اللجنة المالية النيابية ( السبت) عن استلامها الحسابات الختامية للموازنة العامة لعام 2013 ، وقال عضو اللجنة احمد حمه في تصريح لوكالة ( المعلومة ) إن مجلس الوزراء أكمل الحسابات الختامية لعام 2013 وأرسلها لمجلس النواب، وأضاف أن حسابات عام 2014 لم تصل البرلمان بسبب غياب الموازنة في ذلك العام وعدم توفر البيانات الكافية ، مبينا أن الحسابات الختامية للأعوام الماضية سيتم إكمالها خلال الأيام المقبلة ، وأكد رئيس مجلس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي(في وقت سابق ) ، أن مجلس الوزراء سيرسل لمجلس النواب الحسابات الختامية منذ 2013 ولغاية الآن ( ولكنها لم يعلن عن إرسالها بعد ) .

لقد كان من المفروض ( وضمن التوقيتات الدستورية ) أن يتم إرسال موازنة 2020 إلى مجلس النواب في أيلول 2019 ( أي قبل المظاهرات الحالية بشهر) ، وكما تم تداوله بوسائل الإعلام فان مجلس الوزراء كان قد أنهى مناقشات موازنة 2020 ولكنه لم يرسلها بسبب تحوله إلى حكومة تصريف الأعمال مما أبقى البلد بدون موازنة لحد اليوم ولأجل غير محدود كما حصل عام 2014 عندما بقى البلد بدون موازنة اتحادية والمليارات من الدولارات تنفق بطريقة السلف والأمانات في ظل رفع شعارات مكافحة الفساد واسترداد المال المنهوب ، وعلى فرض إن الحكومة ( بالفعل ) قد أنجزت إعداد مشروع قانون موازنة 2020 ( في حينها ) فأي أساس اعتمدت عليه والحسابات الختامية لعام 2013 قد أنجزت قبل اقل من أسبوع من تاريخ اليوم ؟ وما هي القاعدة التي اعتمدتها في ظل غياب الحسابات الختامية للأعوام 2013 – 2019 وعن أي مركز مالي تبحث وهناك ثغرة زمنية كبيرة بين آخر صرف فعلي مصادق عليه من ديوان الرقابة المالية الاتحادي وبين التخطيط لسنة مالية انقضى منها شهرين ؟ ، نعم إنها أسئلة عريضة غابت الإجابة عنها لان الجهات الرقابية عجزت من عدد الأسئلة ولم تجد الجواب الذي يمثل الحد الأدنى من الحقائق الواجب كشفها للجمهور تطبيقا لمبدأ شفافية الدولة ، فخلال السنوات 2013 – 2019 تغيرت حكومات ووزارات وإدارات وتغيرت حقائق وربما ضاعت او أتلفت او احترقت وثائق ومستندات مما يضع صعوبات كبرى في اكتشاف الأخطاء والمخالفات ومساءلة المسؤولين عن بعض الأخطاء والهفوات وغيرها من الأمور التي تدخل في خانة الفراغ ، فخلال هذه السنوات خصصت وأنفقت مئات المليارات من الدولارات وربما وضع ديوان الرقابة الاتحادية العديد من الأسئلة التي تمت الإجابة عن بعضها او إنها تحتاج إلى مزيد من الإيضاحات والمعنيين ربما تغيرت مواقعهم او هاجروا او فارقوا الحياةا او حصلت لهم تغييرات ولكن الموضوع مفتوح ولا يزال قيد الانجاز .

إن من حق أي عراقي أن يسال عن الأسباب الحقيقية في تأخير انجاز الحسابات الختامية منذ 2014 ولحد اليوم ، فصحيح إن الحقوق والالتزامات لا تتقادم عبر الزمن ولكن المعلومة التي يتم الاعتماد عليها في التخطيط للمرحلة القادمة تتقادم كلما مر عليها الزمان وتتحول إلى عقيمة يوما بعد يوم ، دون إن نهمل إن هناك العديد من الحوادث والأحداث التي تحصل في حينها ويمكن تبرير مصروفاتها في وقتها ولكنها تبقى في موضع تحليل وربما شك بعد سنوات ، فقد مرت أزمات مالية واقتصادية وأمنية وعسكرية وسياسية وهي جميعا محفوظة في الذاكرة العراقية وحبلى بالتفاصيل السرية والمعلنة ولكن تدقيق وتمرير تخصيصاتها ونفقاتها تحتاج للتعامل معها أولا بأول وليس بعد مرور تسع او عشر سنوات ، وعند مراجعة أهمية إعداد الحسابات الختامية ووجوب تقديمها بالوقت المحدد في الدستور والقانون والأنظمة والتعليمات ، نجد إن تأخير تقديمها عن موعدها بعد مرور سنوات يفقدها الكثير من جدواها وأهميتها الأمر الذي قد يجعل من مناقشاتها غير جدية ولا تستحق تكريس الكثير من الوقت لذا تجد طريقها في خانة الذكريات من باب تأدية الواجب وتجنب المحاسبة والاحتفاظ بأرشيف مالي عن أنفاق أموال العراق ، ولهذا يمكن الاستنتاج بأنه إذا كان إعداد الموازنات المالية الاتحادية لا يخلو من الثغرات بأدلة عديدة ومنها غياب موازنتي 2020 و2014 والملاحظات المسجلة على موازنات الأعوام الأخرى ، فان إعداد الحسابات الختامية لا يخلو من وجود العديد من الملاحظات والثغرات بدليل تأخير إعدادها وتقديمها بالوقت المخطط ، مما قد يؤثر على تحديد المركز المالي لأي سنة من السنوات ، وبشكل يتيح القول إن حساباتنا الختامية ليست بصحة كاملة أي إنها ليست بخير على وفق معيار التاريخ الزمني في تقديمها للجهات المعنية على الأقل وليجيب من يشاء كيف إن حسابات 2013 قدمت قبل أيام وحسابات ما بعدها من السنين لم تقدم بعد ؟! .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *