حكاية التدخل الخارجي في العراق

حكاية التدخل الخارجي في العراق
آخر تحديث:

بقلم:ابراهيم الزبيدي

وأخيرا حصلت الجريمة الموعودة بأمر الباب العالي في طهران، وبرصاص إيراني خالص، وتم إعلان الحرب الحقيقية ضد جماهير العراق المسالمة التي لم تطلب غير العدالة والخبز والكرامة ورحيل الغزاة.

ورغم نفي المرجعية ضلوعها في الاتفاق الذي فرضه قاسم سليماني على الحكومة والمليشيات إلا أنها بسكوتها عن إراقة دماء شباب الانتفاضة في ساحة التحرير والخلاني في بغداد وفي البصرة والناصرية والنجف وكربلاء، وببيانها (التعميمي) الذي أذعته يوم الجمعة وضعت نفسها في موضع الشك والريبة لدى الملايين من أبناء طائفتها، بعد أن سقطت هيبتها لدى الملايين العراقية الأخرى من سنوات. 

فقد عودنا المرجع السيستاني على ضبابية بياناته كلها، وعلى عدم دخوله في حرج التشخيص والتوضيح ووضع النقاط على الحروف وتسمية الأشياء بأسمائها.

فرغم أنه، في خطاب الجمعة الأخير، حمَّل قوات الحكومة مسؤولية “تأمين الاحتجاجات والحفاظ على السلمية“، وحثها على “الاستجابة لمطالب المحتجين في أسرع وقت“، إلا أن ملثمي قاسم سليماني وفالح الفياض وأبي مهدي المهندس وقيس الخزعلي وعادل عبد المهدي واصلوا حملات القتل العمد والاعتقال وملاحقة النشطاء وكأنَّ شيئا لم يكن.وواضح أن سبب هذا التجاهل والاستخفاف من قبل أولاد المرجعية (المدللين) هو أن السيستاني لم يصدر فتوى صريحة بتحريم قتل المتظاهرين، ولم يصدر أمرا حازما حاسما باستجابة الحكومة لمطالبهم في مهلة محددة، ولم يعتبر من لا يلتزم به خارجا على القانون، ومخالفا لشرعة الله ورسوله وآله أجمعين. 

ثم إنه، وهذا هو الأهم، تحدث في خطابه ذاك عن التدخل الخارجي، ولكن بنفس الصيغ العمومية التي لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، قائلا: “إن هناك أطرافا وجهاتٍ خارجية وداخلية كان لها دور في ما أصاب العراق من آذى وقمع وتنكيل، وهي قد تسعى اليوم لاستغلال الحركة الجماهيرية الجارية لتنفيذ مآربها“.

وهنا لا أحد عرف المقصود. وفي هذا الباب، خصوصا، لا مناص من أن نعترف بأن الانتفاضة الوطنية التي أسمتها المرجعية بـ (الحركة الجماهيرية الجارية) ربما تجعل بعض الحكومات وأجهزة المخابرات العربية والأجنبية عديدة لتحاول أن تتدخل، أو توسع تدخلها الحاصل أساسا حتى من أيام مجلس الحكم سيء الصيت.

ولكن بناءً على عظمة الوعي الوطني الشعبي الحاصل اليوم، وعفوية الانتفاضة وصلابة أبنائها وبناتها وشيوخها يصعب أن تجد تلك الحكومات والمخابرات مساحات واسعة كافية لشراء ضمائر جديدة غير تلك التي اشترتها من زمن طويل، وهي الشراذم العميلة ذاتها المعروفة والمفضوحة، والتي يعرف القريب والبعيد من العراقيين تفاهة أيِ ٍ من سنّتها أو كُردها، وجبنَه وانتهازيته، وهو يراهم، منذ العام 2003 وحتى اليوم، يتسكعون على أعتاب قاسم سليماني، ويتمسحون بأذيال هادي العامري ونوري المالكي وفالح الفياض، حفاظا على مناصبهم ورواتبهم ومكاسبهم، وهم أذلة.

ولا يخفى على المرجعية ولا على غيرها أن أقمش حكومة وأغلض  مخابرات أجنبية لا يمكنأن تشتري هذا الطوفان الشعبي العظيم من المنتفظين الممتدةِ ساحاتُ ثورتِهم من البصرة إلى بغداد، مرورا بالناصرية والديوانية والعمارة والحلة والنجف وكربلاء، لتتمكن من حرف مسيرة الانتفاضة، وتطويعها لأهدافها ومخططاتها، خصوصا وأن الجماهير المنتفضة أدرجت جميع وكلاء الدول الخارجية المتدخلة في الشأن العراقي، شرقيها وغربيها، عربيها وأجنبيها، في قائمة المطلوب كنسها من حياتها، كلهم لمة واحدة دون تمييز ولا تفريق.

وكان منتظرا ومتوقعا من المرجع، وهو صاحب المقام الرفيع، ومؤسس النظام الحاليوالعارف بخفاياه واسراره أكثر من أي جهة أخرى، أن يُشخص، بوضوح وصراحة وشجاعة، واقع التدخل الخارجي في العراق، وأن يعلن على الملأ أن الوجود الإيراني الاحتلالي هو سبب جميع أنواع (الأذى والقمع والتنكيل الحاصل)، وأنه حامي الفاسدين والمزورين والمختلسين في العراق، وناشر الفقر والعوز والمرض والجهل والفرقة والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد، وأنه المُشعِل الأول والأخير لثورة تشرين. ولكنه لم يفعل.

ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، مقارنة تدخل أي دولة خارجية، مهما بالغنا في تقدير حجم تدخلها وقوة تأثيرها في مجرى الأحداث العراقية، وبين ما فعله ويفعله الإيرانيون بالشعب العراقي، كله، وخاصة أبناء الطائفة التي زعموا بأن احتلالهم للعراق جاء لرفع المظلومية عنها، وهم كاذبون ومراوغون وخادعون.

هذا مع العلم بأنَّ تاريخ الشعب العراقي يقول إن الغزو، أي غزو أجنبي، كان مرفوضا من العراقيين، وكانت مقاومتُه بكل الوسائل مضرب المثل لشعوب عديدة أخرى تعلمت منه فنون الثورة على الغزو والاحتلال، وعلى الظلم والعدوان، أيا كان، وأيا كانت ديانته أو طائفته أو عرقه.

وقد خَلَّد تاريخ بلاد ما بين النهرين ملاحم بطولة وطنيين عراقيين كثيرين قادوا معارك تحريرها، ودافعوا عن ترابها واستقلالها وكرامتها، حتى النفس الأخير.وثوار تشرين العراقيون اليوم ليسوا فئة صغيرة، ولا سكان قرية واحدة، ولا أهالي حارة في مدينة، ولا عمالا في مؤسسة ماء أو كهرباء أو إعاشة يطالبون بزيادة رواتب، بل هم

ثورة شعبية حاشدة، صاخبة، صامدة، في طول البلاد وعرضها، لا يوهنها قتل ولا اعتقال ولا اغتصاب.

ويتوهم قاسم سليماني وعبيده العراقيون الأغبياء أن وأد انتفضاة تشرين لن يكون النهاية. فقد أسقطت ثورة تشرين شرعيتهم جميعا، وصوتت ضد وجودهم وستخرج من جديد أقوى وأعم وستقتلع جذورهم، ولو بعد حين.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *