خلوة مع النفس بصوت مسموع حول الموقف من حقوق الإنسان

خلوة مع النفس بصوت مسموع حول الموقف من حقوق الإنسان
آخر تحديث:

 بقلم:كاظم حبيب

الدول التي عشنا فيها، نحن أبناء وبنات الدول العربية من قوميات عديدة وديانات ومذاهب واتجاهات فلسفية وفكرية متنوعة، كانت ومازالت، دول غير ديمقراطية، استبدادية، سواء أكانت ملكية أم جمهورية، وسواء أكانت النظم السياسية فيها تحكم عبر هذا الحزب أم ذاك، أم عبر هذه العائلة والعشيرة أم تلك، أم عبر العسكر أم شيوخ الدين، أم تحالف بين بعضها والبعض الآخر. فكل هذه النظم السياسية لم تعرف يوماً الديمقراطية حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق القوميات ولم تكف عن التمييز بين البشر، وهي نظم لم تكن من حضارة القرن العشرين ولا هي الآن من حضارة وثقافة القرن الحادي والعشرين. إنها نظم سياسية بالية تعود إلى ماضٍ سحيق ومرير.

ولدنا وترعرعنا وتربينا وعشنا في مجتمعات لم تعرف المعنى الحقيقي للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات وحقوق أتباع الديانات والمذاهب والفلسفات، لم تعرف سوى عنف الدولة وسلطاتها الثلاث، وعنف العائلة وعنف الشارع والمدرسة بشكل عام. لم يعرف آباؤنا ذلك ولا أجدادنا المساواة في التعامل بين الرجل والمرأة أو بين العائلات أو بين البشر عموماً. فالتمييز كان حاضراً سواء أكان ضد الجنس الآخر، ضد المرأة، أم ضد الشخص الآخر من العشيرة الأخرى، أم من القومية الأخرى، أم من دين أو مذهب آخر. كان هذا في البيت والمدرسة والدوائر الحكومية وفي الشارع وعموم المجتمع. كان هذا في إطار الدولة العثمانية الثيوقراطية التي حكمت العراق ما يقرب من أربعة قرون عجاف وما بعدها.

كان العنف المنزلي والعنف في المدرسة من قبل المعلمين والمعلمات أو مدير ومديرة المدرسة، وكان في الشارع، وقبل هذا وذاك كانت الدولة بسلطاتها ومؤسساتها المختلفة، ولاسيما الأمنية، تمارس العنف ضد مواطنيها، وبالتالي ينعكس ذلك في سلوك الرعية أو المواطنين والمواطنات.

من يقرأ الكتب المدرسية في درس التاريخ مثلاً، سيجد العجب العجاب، سيتعلم، وهو في لا يزال صفحة بيضاء، تاريخنا العربي والإسلامي مقلوباً، سيجده ضد حقائق التاريخ. مليء بالكذب والادعاء والافتراء. يكرس العداوة والبغضاء ضد الآخر، سواء أكانت من قوميات أم شعوب أخرى أم من ديانات ومذاهب أخرى. نحن الأفضل والآخرون هم الأسوأ، إنها الرؤية النمطية الخاطئة والمضرة وذات المضمون الشوفيني والعنصري.

من هذا الواقع المرير، وتحت وطأة هذه الظروف وفي فترات مختلفة، التحق البعض أو الكثير من المواطنين على نحو خاص، أي من أبناء وبنات هذه الدول، بمنظمات حقوق الإنسان، لأننا عانينا من مرارة الاستبداد وظلم الحكام وقسوة النظم السياسية. ولكن ونحن ندعي أننا نناضل من أجل حقوق الإنسان، وندعي فهمنا لها، ولا أعمم هذه الظاهرة على الجميع، أن بعضنا أو الكثير منا، ولا استثني نفسي، لم نعِ حتى الآن مضامين ومعاني مبادئ حقوق الإنسان وشرعتها وعياً كافياً، لم نستوعبها استيعاباً مناسباً، وبالتالي لم نتصرف في كل الأحوال تصرفاً يتناغم ويتفاعل مع تلك المبادئ. إن هذا الواقع ناجم عن الواقع الذي عشنا فيه ولم نتخلص من عواقبه في خلفيات تفكيرنا وسلوكنا، وتطفح على سطح الأحداث في الملمات وفي الحالات الحرجة التي تمسنا أو تمس مصالح من ننتمي أو ننتسب لهم.

الكثير من الديمقراطيين والتقدميين فقدوا البصر والبصيرة الواقعيين السليمين حين برزت الصراعات الطائفية، فقدوا بوصلة حقوق الإنسان وراحوا يتحزبون لهذه الطائفة أو تلك ويلتحقون بهذا الحزب الطائفي أو ذاك، أو يؤيدون طروحاته ويساندون سلوكياته التي تتعارض كلية مع مبادئ حقوق الإنسان، في حين أنهم لا زالوا أعضاء في منظمات تقول بأنها مع حقوق الإنسان، أو أنها في النشر مع حقوق الإنسان. هناك منظمات أسست على اساس الدفاع عن حقوق الإنسان، ولكنها تقف مع هذا الشعب أو ذاك حين يتعرض للتجاوز على حقوق الإنسان، ولكنها تنسى شعباً أخر حين يتعرض لانتهاك حقوقه، رغم معرفتها بما يجري في هذه الدولة أو تلك من الدول العربية، ولا تجد إلا القليل من الناشطين يعترضون على هذا النهج المتعارض مع حقوق الإنسان.

مبادئ حقوق الإنسان سلة متكاملة لا يمكن ولا يجوز الأخذ ببعضها وإهمال بعضها الآخر، لا يمكن ولا يجوز أن تسود الانتقائية في ممارسات من يعمل ويناضل في مجال حقوق الإنسان. هذا الموقف أعيشه يومياً حين أتابع نشاط بعض أو أغلب منظمات حقوق الإنسان في الدول العربية، ومنها العراق، وتلك التي في خارج دولها، سواء أكان في مجال العلاقات الإنسانية والاجتماعية، أم في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان أو في التعامل العائلي. إن بعض هؤلاء يعتبر عبئاً حقيقياً على عمل حقوق الإنسان، لأنهم لا يقدمون النموذج المطلوب لنشطاء حقوق الإنسان، بل يساهمون في الإساءة لحقوق الإنسان.

تجد عضواً في منظمات حقوق الإنسان يتبنى الدفاع عن حقوق الإنسان ينتقد هذا الحزب أو ذاك حين يرتكب تجاوزاً على حقوق الإنسان، ولكنه ينسى انتقاد الحزب الذي ينتمي إليه حين يرتكب تجاوزاً على حقوق الإنسان وانتهاكاً لها. إن مثل هذا الشخص لم يعِ بعمق ومسؤولية مبادئ حقوق الإنسان التي تستوجب خلع الحزبي عباءته الحزبية حين يحتكم لحقوق الإنسان، وإلا أصبح كـ “من يعلم على الصلاة ولا يصلي!”، أو كما جاء في “مسرحية الكاتب الفرنسى الكبير موليير “تارتوف” في العام 1664 رسم فيها شخصية رجل دين فاسد يسمى تارتوف، يسعى إلى إشباع شهواته الإنسانية الرخيصة وهو يتظاهر بالتقوى…”، (موقع حروفي، علاء الأسواني، الدين الشكلي، 12/05/2018). ووقد أصبحت شخصية تارتوف نموذجاً سيئاً لمن يتناقض سلوكه مع ادعاءه بالتدين، ونجد هذا في واقع الحال في عدد هائل من حكام العراق الحاليين من أعضاء الأحزاب الإسلامية السياسية ومن المساندين لهم.

كان أغلب الديمقراطيين والتقدميين إلى جانب حق الشعب الكردي في تقرير مصيره التزاماً منهم بالمبادئ التي آمنوا بها، ومنها حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها. ولكن حين مورست سياسات خاطئة من الحكومتين الاتحادية وإقليم كردستان العراق، وتطور الوضع سلبياً، انقلب البعض لا ضد السياسات الخاطئة التي مارستها الحكومة الكردستانية أو قيادة الإقليم السياسية فحسب، بل وضد حق تقرير المصير الذي هو جزء ثابت وأصيل من مبادئ حقوق الإنسان وحقوق الشعوب. وهكذا نجد هذا الموقف السلبي والخاطئ لدى بعض النشطاء ممن يعمل في منظمات حقوق الإنسان والأعذار التي تقدم كثيرة ولكنها غير مبررة وغير صحيحة.

الإنسان كيان قابل للتعلم، وليس فينا من ولد ورضع مبادئ حقوق الإنسان مع حليب أمه، بل حاولنا أن نتعلمها ولا زلنا نحتاج إلى الإمعان في تعلمها واستيعاب مضامينها وسبل الالتزام بها والدفاع عنها، وهو واجب أساسي ورئيسي من واجبات من يعمل كناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان. من واجبنا أن نتخلص مما علق فينا من رواسب العلاقات في مجتمعاتنا التي تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان، سواء اكان في الوطن أم خارجه، ومهمة من هم في الداخل أصعب بكثير ممن هم في الخارج.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *