شرق الحداثة وغربها

شرق الحداثة وغربها
آخر تحديث:

باقر صاحب

لم تنحسر يوماً الكتابة عن الحداثة، سواء في الكتب والدوريات والصحف، فيتحدث المتفائلون عن إيجابياتها، فيما المتشائمون يركزون على سلبياتها، هناك طروحات جديدة متشائمة عن الحداثة يذكرها هاشم صالح، وهو كاتب وباحث ومفكر ومترجم تنويري سوري مغترب، في مقالته المنشورة في (الشرق الأوسط) اللندنية بعنوان (أية حداثة نعيش؟).صالح الذي يعد نفسه من أنصار الحداثة ومتحمساً لها خلال ثلاثين عاماً، توقع أن قراء مقالته هذه، سيستغربون انقلابه عن الحداثة بـ 180 درجة مئوية، وتبريره في ذلك الانحدار الأخلاقي الذي صاحب صعود الحداثة، عاداً هذا الانحدار مقتلها. يدعم طروحاته بكتب حديثة  لفيلسوف فرنسي معاصر اسمه ايمي براغ، أحد عناوين كتبه يحمل دلالة قوية؛” حداثي باعتدال. الأزمنة الحديثة أو اختراع حيلة وخداع وغش” إيمان براغ بحداثة معتدلة يعني عدم الأخذ بكل ما جلبته الحداثة، أي ترسيخ الإيجابيات ومحاربة السلبيات بانتقادها ومعالجتها، ليست هناك حداثة مطلقة، التي قد يقارب مغزاها تطرفاً حداثياً، والتطرف ضد الاعتدال الذي يقول به براغ. يورد صالح معبراً عن أفكار براغ ما يلي:” إنها حداثة تفتخر بالقطيعة المطلقة مع كل شيء: مع التراث والماضي والأقدمين. ولكن ماذا اخترعت هذه الحداثة؟ بالله عليكم قولوا لي: ماذا أنجبت وابتكرت؟ هل تعلمون بأن الأفكار الحديثة ليست إلا أفكاراً قديمة سابقة على الحداثة، ولكنهم موَّهوها تحت اسم آخر كسلعة مسروقة؟”.هنا وهناك الحداثة ليست صحيحة ولا معتدلة، هنا في الشرق حداثة مشوهة، ترتقي بالثقافة والأدب والفن، ولكنها غير متطابقة في مستويات حياتية أخرى، مثلا الحداثة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، مستويات متخلفة في التربية والتعليم، والصحة، حداثة المدن ومعمارها، الطرق وهندستها، الإنسان ويومياته الضائعة في ما هو هامشي. هنا حداثة تشوهات، وفي الغرب حداثة المغالاة في كل شيء، غلو في سياسة الغرب في التلاعب بمقدرات دول الشرق  والتفكير الاستراتيجي المتوارث منذ قرون في جعل الأخيرة مناطق نفوذ لا أكثر، تشعل الحروب فيما بينها في سبيل جعلها سوقاً دائمية لمصانع أسلحتها الفتاكة، أين أخلاقيات الحداثة والديمقراطية والحرية إذن إزاء ما  ذكرناه ، فضلاً عن سياسة الكيل بمكيالين، حينما تصبح أميركا مثلاً حليفة أنظمة استبدادية في الشرق، تنتهك حقوق الإنسان في بلدانها، لا لشيء إلا لكونها مناطق نفوذ تفيد منها اقتصادياً، وإن بقيت تلك البلدان المبتلية بتلك الأنظمة مرتع تخلف وحداثة مشوهة قيم الحداثة لا تتجزأ مبنية على الحرية والعدل واحترام كرامة الإنسان، هذا هو مشهد الحداثة الآن ، مشوهة في الشرق وانتقائية مغالية في الغرب، هذا هو مبعث بعض الكتابات المتجددة عن الحداثة اليوم 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *