شيعة العراق لقنوا الحشد الشعبي وأحزابه درساً قاسياً في الانتخابات

شيعة العراق لقنوا الحشد الشعبي وأحزابه درساً قاسياً في الانتخابات
آخر تحديث:

 بغداد/ شبكة أخبار العراق- لم يستفق المعسكر الإيراني في العراق بعد من صدمة أرقام الانتخابات، لذا فإن ارتباك الخطاب هو السمة الغالبة على سلوك المعسكر منذ 15 يوماً، أي منذ اكتشفت الجماعات المسلحة أن السلاح والاغتيالات والتحريض والصواريخ تحوّلت ألغاماً انفجرت بين أيدي أصحابها، وأطاحت شعبيتهم. لم تصوّت الغالبية العظمى من “شيعة العراق” لقوائم جماعات “الحشد الشعبي”، هذه هي الحقيقة التي تكشفها الأرقام، والتي لن يغيّرها اختلاق قصص خيالية عن وجود “متلاعب خفي إماراتي تآمر على الحشد الشعبي!”.جمع تحالف “الفتح” برئاسة هادي العامري كلاً من “منظمة بدر”، “المجلس الأعلى الإسلامي”، “منظمة العمل الإسلامي”، “حركة الجهاد والبناء”، إضافة إلى حركة “عصائب أهل الحق”، وضمّ تحالف “العقد الوطني” برئاسة رئيس “هيئة الحشد الشعبي” فالح الفياض قوى “حركة عطاء”، “الحزب الإسلامي العراقي” (سنّي)، “حزب الثبات”، “تيار الإصلاح”، “تجمع رجال العراق”، حزب “الوارثون الإسلامي”، “الحزب الوطني”، إلى جانب حركة “حقوق” المقربة من كتائب “حزب الله”.

وبعيداً من إخفاق الكتل الحشدية في التعامل مع قانون الانتخابات، وتعنّت الزعماء (هادي العامري وفالح الفياض وقيس الخزعلي وحسين مؤنس) وتشبثهم بمصالحهم الخاصة ورفضهم تقاسم الدوائر الانتخابية، فقد ائتلفت 12 جهة – معظمها مسلحة وممولة من موازنات الدولة العراقية أو الأتاوات أو عطايا الجارة – في 3 تكتلات لم تستطع جمع أكثر من 794 ألف صوت (مجموع أصوات “العقد الوطني” و”الفتح” و”حقوق”) من بين 25 مليون عراقي يحق لهم التصويت، ولو جمعت تلك القوى أصواتاً كما جمع المستقلون على سبيل المثال (مليون وسبعمئة ألف صوت) لتمكنت قوى الحشد من حصد الأغلبية حتى مع سوء توزيع الدوائر، ولا ينبغي تجاهل ارتباط مصير أكثر من 100 ألف مقاتل – حقيقي أو وهمي – بهيئة “الحشد الشعبي”، يمثّلون مع عوائلهم نحو نصف مليون مصوّت مستفيد، يشكلون الكتلة التصويتية الأكبر لقوائم الحشد، وهو ما يعني بعبارة أخرى، أن مجموع مَن انطلت عليه البروباغاندا “الحشدية” من داخل مجتمع “شيعة العراق”، وخارج الجماعات المسلحة المستفيدة مباشرةً من “الحشد الشعبي”، لا يتجاوز 300 ألف مصوّت.

إنه رقم مُغرق في التواضع، نسبة إلى الإنفاق الإعلامي لقوى إيران في العراق، والتي تخصص ما يراوح بين 50 مليون دولار إلى 100 مليون سنوياً “على الأقل” لتشغيل نشاطات إعلامية، من بينها أكثر من 20 فضائية، وعشرات وسائل الإعلام الأخرى، ومخصصات لـ”مُبشرين” يحملون صفات “كاتب أو صحافي أو محلل سياسي”، ويختصون بالدعوة لأحزاب إيرانية الهوى والجماعات المسلحة و”الحشد الشعبي”.يُقدّر الإنفاق على الدعوة للجماعات المسلحة الإيرانية منذ عام 2003 بمليارات الدولارات – على فرض الإنفاق الحقيقي وبعيداً من الفواتير الوهمية الشائعة – انتهت إلى تقليص تمثيل السلاح السياسي الإيراني في العراق إلى نحو 20 مقعداً من أصل 329، وقد فشلت تلك القوى بإقناع الغالبية العظمى من “شيعة العراق” ببرنامجها “المكرر المُمِل”، فلم تجترح قوى السلاح الشيعي مساراً جديداً، بل فضّلت استعادة الخطابات ذاتها، من احتلال الكويت، إلى قصف الإمارات، ومن مؤامرة أنغلو أميركية، إلى مؤامرة كونية.

مع ظهور نتائج الانتخابات، تحتاج الأجنحة السياسية لفصائل “الحشد الشعبي” إلى التوقف برهة، ومراجعة الأرقام وإعادة تقييم شاملة لجدوى هدر المليارات في محاولة إعادة تثقيف العراقيين الشيعة على الثقافة الصدامية، لكن عوضاً عن المراجعة الشاملة، تنخرط أوساط الحشد في حالة من الإنكار للواقع، والتخبّط ومحاولة الهروب إلى الأمام عبر ثلاثة مسارات:الأول هو الإصرار على وجود تزوير في الانتخابات تسبب بتساقط المقاعد الحشدية، والثاني هو ترويج رواية وجود “اختراق سايبراني تقف خلفه الإمارات” وحدها هذه المرة من دون اتهام قطر أو السعودية كما جرت العادة، حيث تتمتع الأولى بعلاقة مستقرة مع إيران، بينما تخوض الثانية حواراً مع إيران في هذه الأثناء! أما المسار الثالث فيظهر جلياً في محاولة أوساط حركة “عصائب أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي، الاستثمار في فشل التحالفات الحشدية لإطاحة رئيس تحالف “الفتح” هادي العامري، واتهامه بالمسؤولية عن السقوط الانتخابي، فنتائج النزاع بين قوى “الحشد السياسي” التي أظهرت تشتيت مئات الآلاف من الأصوات وخسارة أكثر من 22 مقعداً، لم تدفع زعامات الحشد إلى التريّث وتعليق الاشتباك السياسي، بل حفّزتهم على المزيد.

وعلى مدى سنوات، مثّل العامري الوجه المخاتل للفصائل المسلحة، إذ يخوض مقربوه، مثل قاسم الأعرجي حوارات موسعة مع الأميركيين والأوروبيين، وتتمتع حركته بالمكاسب الحكومية وتنأى بنفسها عن العقوبات الدولية، بينما يرفع العامري الصوت بخطابات المقاومة و”مناهضة الاستكبار”.وحاول العامري تطبيع علاقة الفصائل المسلحة مع المجتمع الدولي، وخفض التوتر، لكنّه أصبح خلال الأيام الماضية في مرمى هجوم الفصائل الخاسرة، وحمّله مقربون من الفصائل صراحةً مسؤولية خسارة التحالفات الحشدية في الانتخابات، وتحدثوا عن ضرورة إزاحته وتسليم زعيم حركة “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي رئاسة تحالف “الفتح”.

ويؤكد الفريق الإعلامي لمفوضية الانتخابات أن “لدى جميع الأحزاب قناعة كاملة بعدم وجود أي “سيرفرات” خارج البلاد، لا في الإمارات ولا في القاهرة ولا في غيرهما”، وتمضي المفوضية تدريجياً في إجراء عمليات العد والفرز يدوياً تماماً كما تطالب قوى “الإطار التنسيقي الشيعي” المعترضة على النتائج، وبالمُجمَل، يعرف جميع الفرقاء أن أي تغييرات لن تطرأ على نتائج الانتخابات، وأن ما يُروّج عن “اختراقات سيبرانية” هو محض “أساطير”، لكن تنامي طموحات قيس الخزعلي لتسلّم رئاسة تحالف “الفتح”، لا يبدو فكرة سيئة حتى بالنسبة الى مناهضي الجماعات المسلحة في العراق، لما سيعنيه ذلك من إنهاء فصلٍ “المخاتلات” المحلية والدولية والتسويات التي كان العامري يجريها خلال سنوات تسلمه رئاسة التحالف، ورغم أن صعود الخزعلي يُنذر بعهد أكثر راديكالية على مستوى قيادة التحالف، إلا أنه سيعجّل وقوع المواجهة ويوصِل المشهد إلى لحظة الحقيقة، بخاصة مع برود الموقف الإيراني الرسمي حيال ما تفعله الفصائل في ملف الانتخابات. فمنذ اليوم التالي للانتخابات، وحتى اليوم، تُجمع كل البيانات الرسمية الصادرة من طهران على مباركة العملية الانتخابية، ولا تشير بأي شكل أو تلميح إلى حراك الفصائل الذي يبدو محرجاً حتى للإيرانيين.

ويمكن فهم الموقف الإيراني، في إطار التفاهمات الدولية التي تقدم عليها إيران من جهة، وكذلك من حيث الحرج الذي تسببت به تلك الفصائل التي تنتسب إلى إيران، وتستصرخها منذ أسبوعين لـ”إنقاذ محور المقاومة وأحزاب الحشد الشعبي في العراق”، من دون أي تفاعل إيراني، وهو ما يثير تساؤلات عميقة عن مدى دقة تسمية تلك الجماعات بـ”فصائل إيران” في المرحلة المقبلة.وفي المحصّلة، سيكون بإمكان الأحزاب الحشدية وإعلامها المموّل الاستمرار بالحديث عن مؤامرات خارجية وداخلية، واختراق سيبراني، أو قصف الخليج، وهو ما سيعني مزيداً من “التصويت العقابي” ضدها في التجارب الانتخابية المقبلة. إلا أن ما تحتاجه هذه الأحزاب في المرحلة الراهنة، وأكثر من أي وقت مضى، هو إجراء مراجعة شاملة لقياس مستوى التطابق بين خطابها ومسارها من جهة، وتطلعات العراقيين الشيعة من جهة أخرى، الذين يشعرون أن بلادهم جديرة بالانفتاح على المحيط والعالم، وأن الشباب العراقيين الشيعة أو غيرهم، يستحقون الحصول على بعثات دراسية في الجامعات العالمية، من دون أن يتعرضوا إلى ما تعرضت له الناشطة القتيلة رهام يعقوب، وغيرها، من حملات تشويه قادتها أوساط حشدية تجتر أسطوانات النظام السابق في التخوين والتحريض وصولاً إلى الاغتيال، وأن بلادهم صحراء متعطشة لدخول الشركات الاستثمارية من كل أنحاء العالم، من دون أن يكون المستثمر مضطراً لدفع الأتاوات لهذا الفصيل الحشدي أو ذاك من أجل تمويل نفقات مجموعة ضيقة من المُتكسبين، سواء كانوا إعلاميين أم مسلحين مارقين، وأن مستقبل “الحشد الشعبي” لا تضمنه كتلة سياسية غارقة بالدماء والفساد، بل إن بقاءه مرهون بقدرته على تصحيح مساره ونيل الإجماع الوطني على اعتباره قوة وطنية غير جدلية، على غرار بقية أجهزة الدولة، وأنه ما مِن طريق لإجبار العراقيين على رهن مستقبل بلادهم بيد مجموعة مسلحين لم يتجرأوا، رغم توليهم السلطة، على الإيمان ببلادهم وشعبهم، واتخاذ قرار فك الارتباط بالخارج.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *