في ذكرى نزار قباني

في ذكرى نزار قباني
آخر تحديث:

د. حسين القاصد

تمر هذه الأيام ذكرى رحيل الشاعر السوري نزار قباني ، وهو الشاعر العربي الوحيد الذي تجنب وعورة البداوة ، واسهم في جعل الشعر اكثر رقةً ونعومة ؛ بل آن لي أن أقول : إنه الشاعر الذي اكتشف له منطقة خاصة في جغرافيا الشعر ، ودخلها بمنتهى العذوبة مدججا بسهله الممتنع ، ثم أغلق الباب عليه ليمنع غيره منها . 

  ولعل شيئا غائبا عن عين النقد هو ان نزار قباني شاعر عمودي بلونه الخاص ورقة مفرداته ، فهو بارع جدا في القصيدة العمودية ، مثل براعته في شعر ( التفعيلة) التي ابتدع فيها بصمته الشعرية . 

 لم يكن نزار شاعر المرأة كما هو مشاع ، بل هو شاعر قصائد كبيرة في قضايا صغيرة اذا جاز لنا التعبير ؛ وهو ليس شاعرا فحلاً كما يميل بعض النقاد الذين يهمهم نسق البداوة ، وهو قبل ذلك وبعده ، ليس كما يفهمه عبد الله الغذامي ، ذلك لأن صحراوية الغذامي منعته من استنشاق عبير وعذوبة ونعومة بوح نزار الوجداني . 

 أفاد نزار قباني من بيئته الدمشقية أيما افادة ، ثم افاد من حياته المترفة ، فهو لم يعرف الفقر ، وعمل مبكرا في السلك الدبلوماسي ، وكان للشام ونسيمها المعطر بالأنوثة أثره الكبير في شعره ؛ لذلك وجدناه يبوح شعرا تكاد تستنشق الياسمين الشامي حين تردده . 

 حين جاء السياب بقصيدة الشعر الحر ( التفعيلة) سارت بعده موجات سيابية كثيرة ، حتى صار كل مقلد للسياب شاعرا له اسمه ؛ لكن نزاراً ادرك مبكرا ان عليه ان يسكن بعيدا عن منطقة السياب ، ويبدع لنفسه لونه الخاص ؛ ولقد وجه له استاذنا العلامة د. علي جواد الطاهر نصيحة مبكرة حين رآه يكرر نفسه ، ويعيد اجترار معجمه الشعري وصوره نفسها ، وهو ما استمر عليه نزار في كل قصائده بعد لمعان اسمه ؛ لكنه شاعر رسخ اسمه ، ومنطقته محرمة على غيره ، فليس لأي مقلد له أن يشتهر ، وقد وقع في ذلك كثير من الاشخاص فلم تتحقق لهم صفة الشاعر ، باستثناء الشاعر العراقي احمد مطر ، الذي شرب من بئر الاعمال السياسية لنزار وسخريته السوداوية ، ليأتي بنسخة نزارية عراقية ( النكتة) السياسية ، لكن قصائده ظلت نزارية المذاق من ايقاعها الى 

معجمها . وهنا لابد من الاشارة الى ان عبد الله الغذامي أخفق كثيرا في نسبة ما أسماه بـ “ تأنيث القصيدة “ الى نازك الملائكة ، لأنه نسب التأنيث للمرأة لا للقصيدة ، وقصيدة نازك قصيدة الموروث الكامل من بداوة وهجاء خشن ، ومديح صحراوي ؛ بينما نجد القصيدة عند نزار انثى تتراقص على ايقاع بحور الخليل لكن بنكهة نزارية خاصة . ذلك هو نزار قباني الشاعر الكبير في لونه الشعري فقط ، وليس لشاعر ان يتبع لونه فيفوقه .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *