قراءة في مجموعة أحزان السنة العراقية للشاعر خزعل الماجدي

قراءة في مجموعة أحزان السنة العراقية للشاعر خزعل الماجدي
آخر تحديث:

هادي الحسيني

منذ مجموعته الشعرية الأولى ( يقظة دلمون ) الصادرة عام 1980 يواصل الشاعر العراقي د خزعل الماجدي مشواره الشعري بتفوق واضح من خلال نصوصه التي جعلته صوتا مميزا ومنفردا بالابداع وتطوراته ، شاعر أخلص للشعر بكل معاني الاخلاص واصدر العشرات من المجاميع الشعرية وصولا الى الاعمال الشعرية الكاملة وبخمسة مجلدات صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وقد تناولت أعماله الكاملة في مجلداتها تجربة شعرية فريدة ومختلفة لِما تحويه من تنوع في الشعر بدءاً من يقظة دلمون ومرورا بكتابه الشهير خزائيل ووصولا الى آخر كتاباته المجددة في الشعر وقد تناولت مجلدات الشاعر تجاربه المختلفة في الشعر وفي قصيدة النثر والنص المفتوح ، والى جانب هذا الانتاج الشعري الفخم بالنوع والكم ظل الشاعر الماجدي مواظباً على البحث في أعماق التاريخ القديم وقدم لنا المجلدات تلو الأخرى وكان آخرها سلسلة تاريخ الحضارات وهي موسوعة متكاملة لحضارات العالم من ستة وعشرين جزءاً . الشاعر خزعل الماجدي يعتبر موسوعة ثقافية متكاملة لِما أنتجه من كتب في الشعر والفكر والتاريخ .ولعل تجربة الشاعر الماجدي السابقة والتي تنوعت من مجموعة الى اخرى تختلف عن مجموعته الحزينة والتي نحن في صدد الكتابة عنها اليوم والتي هي بعنوان : ( احزان السنة العراقية ) فهي مجموعة كتبت بدموع الشعر التي امتزجت مع دموع الشاعر الذي بكى ابنه وبكى ابناء وطنه ووطنه !
لقد استطاع الشاعر الكبير خزعل الماجدي من خلال مجموعته الشعرية الفخمة ( أحزان السنة العراقية ) بان يؤرشف لسنة عراقية كاملة بكل التفاصيل المؤلمة ! سنة فيها أثنا عشر شهرا ، وفيها أربعة فصول هي الشتاء والربيع والصيف والخريف ، سنة فيها أكثر من ( 365 ) يوما . وعلى مدى العام المنصرم ، عام 2016 دأب الشاعر خزعل الماجدي المفجوع بفقدان ولده مروان قبل عشر سنوات بنشر قصيدة لكل يوم على مدى سنة كاملة ، وها هو عام 2016 ينتهي وندخل عاما جديدا ، لكني من خلال قراءتي لمجموعة أحزان السنة العراقية عبر موقع الفيس بوك الذي نشرت فيه وكنت من أشد المتابعين لهذا النزف الشعري الذي أرشف لآلام العراق والعراقيين في عام 2006 ذلك العام الذي تأججت فيه نار الطائفية المقيتة وأحرقت الأخضر واليابس في الكثير من مدن العراق ولكن الكارثة الكبرى كانت داخل العاصمة بغداد التي تحملت الكثير من المآسي والكوارث ومازالت جراء الخراب السياسي والفساد المالي الذي سارت أحزاب السلطة على طريقه ولم تتمكن من تغيير عجلة هذا الخراب ، لا بل أوغلت في تدمير كل شيء جميل ! لقد كانت سنة ( 2006 ) مؤلمة على كل طبقات المجتمع العراق وكل قومياته وطوائفه ، كانت سنة الموت والدمار بإمتياز !
الشاعر الذي عاش سنوات الحرب الطائفية والتي أفرزت حروب قذرة كثيرة كان اولها القتل على الهوية ! بغياب سلطة القانون والدولة التي فقدت هيبتها ! بينما مهدت قوات الاحتلال الامريكي لكل تلك الكوارث التي شهدها العراق بعد سقوط النظام الدكتاتوري الذي خلف تركة ثقيلة جداً على الشعب العراقي الذي كان يحكمه بالحديد والنار على مدى أربعة عقود من الزمن المر ! الزمن الذي قضيّ بالحروب والحصار والإعتقالات والدمار والإعدامات والمقابر الجماعية والكيماوي والانفال وجرائم لا تعد ولا تحصى كانت قد أرتكبت بحق العراق وشعبه ، الامر الذي أنتج بعد سقوطه تراكمات يصعب على العراق التخلص منها إلا بعد أن تتغير أجيال حملت في دواخلها الاحقاد والنزعات الطائفية والظلم والقسوة والعنف وامور كثيرة .
في مجموعة (احزان السنة العراقية) اعتمد الشاعر الماجدي على لغته الشعرية الصافية التي تنثال مثل شلال ذهبي من قمة الشعر العالية ، لغة تتقافز من سطورها الصور الشعرية الممزوجة بلوعة الحرب والخراب الذي خلفته سنة 2006 والتي كانت قاسية بكل المقاييس على وطن مثخن بجراحاته مثل العراق . وبينما الشاعر يؤرشف لتلك السنة وهو يحدثنا عن فقدان ( مروان ) ولده ولوعة الفراق لم ينس الشاعر فقدان أحبته من الشعراء فثمة قصائد كان قد تحدث فيها عن مأساة شعراء العراق الذين رحلوا في تلك الفترة وما قبلها وفي غالبيتهم من أصدقائه وكذلك لم ينس ( عدي ) ابن الناقد الدكتور حاتم الصكر الذي تم اختطافه هو الآخر بالقرب من مدينة الرمادي وهو في طريقه الى الاردن للقاء والده الذي كان على اتصال مع ولده عدي وعائلته التي كانت ترافقه ، وصلت عائلته الى الاردن بدون ولده عدي وكانت تلك انتكاسة ومأساة كبيرة مر بها الدكتور الصكر ومازال ، فهي نفس المأساة ما بين ( مروان – وعدي )، ونأمل أن يعودا الى ذويهم في يوم قريب .
ولهذا فان قصائد مجموعة الشاعر خزعل الماجدي ال 367 لم تترك شاردة ولا وآردة إلا ومرت عليها بدقة متناهية ،ولم ينس في نهاية كل شهر أن يعلق روزنامة ذلك الشهر بتفاصيل واحداث الشهر الذي كانت البلاد فيه عرضة للخطف والذبح في كل ساعة وكل دقيقة ، الشاعر استطاع ان يؤرشف للألم المرّ ، للفجيعة ، للموت ، لفقدان الأمل ، للوطن المذبوح من الوريد الى الوريد ، للأم الثكلى بابنائها وزوجها ، للحرمان ، للقتل على الهوية ، لفقدان القيم في مجتمع كان من أرقى المجتمعات في المنطقة ، للهزيمة المرة ، للخسارات ، للفقدان ، للمنفى ، ولدفن موتى حروبنا الداخلية في حدائق البيوت ! أرشف للوجع بكل أشكاله وصفاته ، أرشف الشاعر خزعل الماجدي باحزان السنة العراقية ما عجز الشعر عن أرشفته لشهر واحد من المأساة إلا ان شاعراً بحجم الماجدي استطاع ان يؤرشف لسنة كاملة ذهب ضحيتها عشرات اللآلاف من المدنيين العزل والذين تم قتلهم او خطفهم على طول البلاد المستباحة من قبل عصابات احزاب وعصابات دول الجوار التي تمرح وتسرح داخل البلاد ! ولعليّ واظبت على قراءة قصائد المجموعة في كل يوم تقريبا ولمست في كل قصيدة من القصائد ثمة شاعر يقف حارساً للبلاد وشعبها المذبوح ، أحسست من تلك القصائد ان الشعر العراقي مازال يتربع على عرش الشعري العربي بدون منازع كما كان في كل العهود والعصور السابقة ، أحسست ان الشعر هو عيش العالم المسالم والمحب للحياة والأمل ، الشاعر وحده يخلق الأمل في نفوس الفقراء واليتامى والثكالى والمحرومين والجياع والموتى ! الشاعر وحده يتمكن ان يقلق مضاجع الطغاة في كل زمان وكل مكان .ليس ثمة وقت للإستشهاد ببعض قصائد المجموعة كما متعارف عليه في مثل تلك القراءات وذلك لضخامة المجموعة التي تجاوزت ال ( 809 ) صفحات ومن القطع الكبير ، هذا يعني انها أعمال كاملة للألم والخراب والموت والدماء التي سالت والخطف والتسليب في مرحلة مهمة من تاريخ العراق الحديث والتي غاب فيها القانون الذي يحكم الناس بالعدل !
( أحزان السنة العراقية ) التي كتبها خزعل الماجدي بدموعه عن عام الموت والخراب العراقي بإمتياز ( 2006 ) ! كانت قد صدرت عام 2010 عن دار ( الغاوون ) في بيروت ، وقد صدرت بطبعة ثانية وأنيقة قبل أيام وتحديدا في نهاية عام 2016 تزامنا مع نشر آخر قصائدها في موقع التواصل عن دار ( ميزوبوتاميا ) في بغداد ، بغداد المدينة الجريحة التي كتب الشاعر الماجدي فيها ( احزان السنة العراقية ) وأرشف لمذابح وآلام تلك المدينة التي مازالت تئن تحت الخوف وغياب القانون . أن الشعر العراقي تمكن من ان يكون نداً قويا للطغاة والحكام والجبابرة على مرّ العصور ، لكن في مجموعة الماجدي التي نحن في صددها الآن فقد تمكن الشعر من فرك أنف الموت وإيقافه عند حده ، انه الشعر صانع المعجزات !وقد كتب الشاعر الدكتور خزعل الماجدي في آخر أيام سنة 2016 عن شعوره وهو يقرأ خبر صدور الطبعة الثانية لاحزان السنة العراقية في بغداد ليقول 🙁 لاشك أنه الخبر الاستثنائي الأهم ، بالنسبة لي ، مع قرب انتهاء هذا العام، أخيرا صدرت الطبعة الثانية من ( أحزان السنة العراقية ) في بغداد من دار ميزوبوتاميا صدرت في بلدها حيث ولدت المجموعة وكتبت وحيث مكانها الحقيقيّ ، رغم كرم ولطف دار ( الغاوون ) التي اصدرت طبعتها الاولى في بيروت عام 2010 ، لكن مازن لطيف الناشر العراقي الهمام الوفيّ أصدر الطبعة الثانية اليوم في الوقت القليل المتبقي من سنة 2016 وانا انشر القصائد الخمس الأخيرة منها على صفحتي هنا لما تبقى من العام ، هذه الطبعة التي نهديها انا ومازن للحبيب الغائب ولدي مروان وحتى اخر رمق من امل عودته رغم عشر سنين عجاف مرت على اختطافه ) ..

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *