قصص الأطفال ألعاب

قصص الأطفال ألعاب
آخر تحديث:

 ياسين النصير

يسهل على كتاب قصص للأطفال الأمر، لو تصوروا أنهم يكتبون لعبًا بطريقة الحكاية، ستكون كلمات القصة لُّعبة، تتشكل منها عوالم مخيلة تكوين الأشكال، لن نخوض بعيدًا في فلسفة الجشتالت، والتي هي قريبة جدًا من البنية التكوينية لأيَّة قصة تكتب للأطفال، حيث الرؤية البصرية المقترنة بالقراءة تخلق تصورا تشكيليا لأمكنة الحكاية، أقول لو أدرك كتاب قصص الأطفال معنى اللعب بالكلمات لتشكيل الحكاية لأختصروا المسافة إلى عقل الطفل وجعلوا من القصص طريقة ممنهجة للدخول إلى التعلم وفهم العالم.
إنَّ لذة قصص الأطفال ستكون متعددة: أولًا النجاح في مخاطبة عقل الطفل بامكانياته البسيطة بما يمكّنه من فهم ما يحيط به، وثانيًا قدرة الكلمات التي تكتب بها القصص وهي ليست أيَّة كلمات،على توصيل المعنى بأقصر الطرق وأدقها، وثالثًا، لابد من خلق الأسئلة ضمن القصة المكتوبة للطفل، قصص الأطفال لا تتوخى الإجابات،ولا التفسيرات،إنَّما تضع أسئلة بمستوى عقل  الطفل لتمكينه من التفكير واجتراح الحلول.
ورابعا،وهو محور هذه المقالة؛ أنَّ القصة للطفل هي لُّعبة بالكلمات، تمكّن البصر والذاكرة من بناء عالم القصة بطريقة ملموسة كما لو كان يقرأها بيده ويشمها ويتذوقها ويحس بها. فالصور المدركة عقليًا، هي الصورة المجسَدة صوريًا،عندئذ ستكون علاقتها بجسد الطفل أكثر مما تكون ككلمات تلقينية.
يقارن رولاند بارت “نشاط القارئ بنشاط اللاعب”، وبالتالي يمكن مقارنة القراءة باللعب.
تقرأُ يعني تلعبُ، سيكون لاعب كرة القدم مثالًا للقارئ الذي يترجم قراءة حركة خصمه إلى حركات، كذلك الطفل الذي يقرأ القصة المكتوبة له من أن يلعب خلال قراءته لها رسمًا له عالمه المرئي الممكن هضمه وفهمه.
وثَمَّةَ نقطة مهمة أخرى، وهي أنَّ الطفل لا يحب التلقين،أو تكرار ما هو مُعتقد مشاع في سياق حياته البيتية، إنَّه مكتشف ذاته عبر قراءته وألعابه، لذلك يتفاعل مع الابتكار والتجديد ضمن مستوياته العقلية والأدائية، حينئذ نجد الطفل يعيد قراءة ما سبق وأن قرأه من قصص كما لو كانت القراءة إعادة اللعب لألعاب سابقة. هذه المرونة في تراكم المعرفة طريقة لاستحصال قناعة لدى الطفل بأنَّ عالم الخيال هو الذي يكتشف العالم الواقعي.
هكذا تصبح القراءة/ اللُّعبة، كشفًا لإنتاج معان وأفكار جديدة، تتناسب ومستوى عقل الطفل.
تقع على عاتق كتاب قصص الأطفال مسؤولية كبرى، إذا ما فكروا أنهم يخاطبون عقلًا ناضجًا، لأنَّ  لعبة الكتابة لا تقل عن أي مخطط تنظيمي لإدارة فن الكتابة، وبدون هذا المخطط تفقد اللُّعبة هدفها، لذلك يتحمل كتاب قصص الأطفال مسؤولية مضاعفة: الأولى أنَّهم يكتبون قصة للأطفال وليس للكبار، وأعني الأطفال بين سن الخامسة والعاشرة، والثانية أنهم يلعبون بالافكار والكلمات عبر قراءاتهم. وهذه المهمة المزدوجة بحاجة إلى مران كتابي مستمر.
لم تنم قصة الطفل في العراق وحدها، فطريقة الكتابة كانت مجاورة لطرق فنية أخرى رافقت كتابة قصص الأطفال، من الطرق الفنية التي أغنت التصور العقلي للطفل، رسوم الكاريكتير، حيث تطور هذا الفن تطورا ملفتا، عندما عمم مفهوم الكاريكتورية على الحياة الثقافية، ولم يقتصرالكاتب هنا على الرسوم الساخرة، فكانت ثَمَّةَ قصة كاريكتورية، وقصيدة ساخرة كاريكتورية، وحكاية مصورة كاريكتورية، أي أنَّ الثيمة لم تنفذ بآلية الكتابة وحدها،بل بآلية العاب الكتابة والصور، وهو ما يوسع من حقل الفهم والتصور. كما اغتنت القصص باللُّغة، حيث رافقت هذه المهمة برامج لتصويب اللغة العربية والفاظها وامكانياتها الهائلة في أن تكون منطوقة ضمن عقلية الأطفال.
وهذا المنجز كان يتوفر بالمجان لعموم القراء، فقد كانت دار شؤون الأطفال موسوعية بحيث أخذت على عاتقها تنمية قدرات الذاكرة والقراءة والكتابة والفهم واللعب.
خلقت التجربة العراقية في كتابة قصة الطفل، أرضية خصبة لعدد من العقول المفكرة في ميدان صعب قلَّ أن نجد له نظيرًا في أي بلد عربي، فالعراق يمتلك طاقات فنية وتفكيرية في ميدان الطفل ما مكنته من أن ينتج آلاف القصص التي أصبحت حقلا لدراسات حول أدب الأطفال، ومن يعيد استقراء تلك التجربة وامكانياتها التأليفية والإدارية، سيجد نفسه في ثقافة مؤسساتية ممتلئة بما يمكن تطوير قدراتها نحو الأفضل، ولكن، وهذه قضية غريبة، هو ارتباط مثل هذه المؤسسات باديولوجيا السلطة، وعندما إنهارت السلطة إنهارت مؤسسات كبيرة، ومن بينها مؤسسة دار شؤون الأطفال ومنشوراتها الفنية والأدبية.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *