لا مكان للمواطن العراقي في رؤوس المتحاربين على السلطة

لا مكان للمواطن العراقي في رؤوس المتحاربين على السلطة
آخر تحديث:

بقلم: د. ماجد السامرائي 

منذ أيام قليلة انطلق شوط الانتخابات العراقية بمجرد البدء بالإجراءات الروتينية لتسجيل الأحزاب التي يحق لها المشاركة، والتي وصل عددها إلى 204 أحزاب و54 تحالفا وهي ظاهرة غريبة في الانتخابات “الديمقراطية” كغرابة حال العراق بعد 2003.لقد انكشفت المناورات التقليدية المعروفة منذ ثلاث دورات انتخابية، ورغم المحن والكوارث التي عاشها شعب العراق خصوصا في ثلثه الجغرافي والبشري المسمى بالعربي السني تصاعدت تلك الأزمات بعد احتلال تنظيم داعش المدبر، لكن الأحزاب والكتل السياسية الكبيرة لم تأخذ العبر ولم تلتفت إلى أبسط معايير الديمقراطية القائلة بأن الفاشل يجب أن يعترف بفشله أمام جمهوره ويتخلى لغيره ممن يجد في نفسه الكفاءة ويغامر بالترشيح الانتخابي.

تلك الأحزاب بدلا من أن تعترف بفشلها سارعت إلى لعب أدوار ووسائل المقامرين وتفننت بتجديد أشكالها منذ اللحظة الأولى لبداية فصول الشوط، رغم أنها وسائل لا ترقى إلى أبسط المعايير السياسية، دون أي اعتبار للمواطن العراقي وهمومه، فراقب العراقيون ومعهم كل محبيهم إعلانات “السيرك الانتخابي” لعام 2018 من خلال تحالفات المصالح المتغيرة بالساعات. وأبرز مثال على ذلك الإعلان عن تحالف بين حيدر العبادي، الخارج من أبوة نوري المالكي الحزبية، مع تنظيمات الحشد الشعبي الثمانية الذي صدم حليفه مقتدى الصدر الحالم بكتلة سياسية عابرة للطائفية ونابذة لتخندقاتها، والناقد لممارسات بعض فصائل الحشد الشعبي، وأغلب قادته كانوا تحت عباءته قبل سنوات، وسبق أن أعلن عن دعمه للعبادي في مشروعه الذي ردده في خطابه الإعلامي بأنه أحد المنقذين للعراق من احتلال داعش ومن الفساد. وسط تفسيرات متضاربة لدور طهران المعتاد في صناعة والحفاظ على حكم الإسلام الشيعي وإيجاد موازنة بين زعيمي حزب الدعوة (المالكي والعبادي)، وكلاهما أخذ تجربة غير قليلة بالسلطة.

المالكي حَكَم ثماني سنوات، أُطلقت حوله أوصاف كثيرة أقساها ما يتعلق بسياسته الطائفية وإجراءاته القاسية ضد أبناء العرب السنة، إضافة إلى سرقة المليارات من أموال شعب العراق خلال سنوات حكمه وذهابها إلى جيوب الفاسدين وقسم كبير منهم من قيادات حزب الدعوة ومريديه في الحكومة.

والثاني (العبادي) لم تنته ولايته الأولى بعد، واستعجل ركوب صهوة المنافسة وأمام عينيه غريمه الأول (المالكي) لأنه يعتقد بعدم بوجود منافس سياسي آخر غيره داخل البيت الشيعي وخارجه، وشعر بأن ما أحيطت به حركة الفصائل والميليشيات المسلحة من تضخيم إعلامي على وقع المعركة الوطنية الناجحة ضد داعش قادر على استيعابها بعد وثوقه من أن طهران ستسهل عليه الطريق بخبرة قادتها المهتمين بالملف العراقي وعلى رأسهم قاسم سليماني، فاندفع لتوقيع اتفاقية تحالف انهارت بعد 24 ساعة تعرف خلالها الرأي العام العراقي على أزمة الكتل الشيعية في تنافس لا علاقة له بمصالح المواطنين.

وما قيل عن اختلافات بين العبادي والعامري لأسباب فنية غير مقنع، لأن الحقيقة هي أن العبادي والعامري اختلفا حول من سيكون الرقم الأول، وذهب العبادي باستدارة مرتبكة بعد الضغوط الإعلامية الهائلة وجاء بعمار الحكيم وطالب الصدر بالاتفاق معه وبذلك شعر أنه سيحقق أصواتا أعلى مما أنهى الاتفاق، وبدأ كثيرون ينسحبون منه.

مشكلة العبادي عدم وجود مستشارين سياسيين قريبين من الشعب العراقي يقدمون له الحقائق على الأرض وليست أرقاما بلا محتوى. لقد وقع العبادي في مأزق كبير.التأجيل ليس من قبل قوى التحالف السني وإنما من داخل البيت الشيعي، حيث قدم 140 نائبا طلب التأجيل، في حين لا يبلغ عدد نواب القوى السنية 50 نائبا.

المشكلة أن من يسمون أنفسهم سياسيين لا صلة لهم بهموم شعب العراق، وهذه هي المشكلة لأن العلاقة بضمير الناس تنتج قادة سياسيين وليس مجموعات تتقن فنون السرقة. وهم يحاولون التغطية على الأرقام الحقيقية للموارد اعتقادا بإمكانية تمرير الأكاذيب وكأنهم لا يعلمون أن واردات النفط اليوم مقدارها 288 مليون دولار، فأين تذهب في الوقت الذي تعلن مفوضية الانتخابات أنها إن لم تستلم ميزانية التشغيل فلن تتمكن من إدارة الانتخابات؟

هل ستتحكم القوى الموالية لولاية الفقيه في إيران في مشهد الحكم للسنوات الأربع المقبلة حسب تصريحات أحد قادة الحشد بأن رئيس الوزراء المقبل سيكون من الحشد الشعبي والمقصود هادي العامري، أم سيفوز المشروع العقلاني الناتج من تجربة الحكم الشيعي للسنوات الأربع عشرة الماضية، والذي تعهد العبادي بأنه سيتحمل مسؤولية تنفيذه للسنوات الأربع المقبلة وشكل بصيص أمل لقطاع واسع من الجمهور العراقي ممن لم يعد يعنيه أن يكون الحاكم سنيا أم شيعيا؟ بل هل سيرفع هذا الحاكم جزءا من أثقال هموم الحياة البائسة التي يعيشونها وخاصة ما لا يقل عن ثلث سكان العراق النازحين والمهجرين والمبتلين بالفقر والحاجة وعدم الأمان وفقدان بوصلة الأمل، في ظل إجراءات حكومية وحزبية جعلت من الحرب على الإرهاب غطاء شرعياً لمنع تحركهم الحر في أرض الوطن والمنع من دخول العاصمة التي شملتها عمليات التغيير والفصل الديمغرافي والاستبدال القسري لحزامها البشري؟

تتداخل هذه الحالة مع قضية شكلية أخرى متعلقة بتأجيج الصراع بين غالبية الكتل الشيعية المصرة على عدم تأجيل موعد الانتخابات، مقابل الكتل العربية السنية وغيرها التي ترى في الوضع الاستثنائي للسكان النازحين مبررا للتأجيل سواء الذين ما زالوا خارج ديارهم وعددهم يقارب 3 ملايين شخص، أو الذين عادوا يفترشون بيوتا مهدمة وخدمات معدومة لا تليق بالإنسان العراقي صاحب الثروة النفطية الهائلة، وترد تلك الزعامات المطالبة بالتأجيل على منطق التعذر بالدستور الذي يقول كذلك بأنه يجب إعطاء جميع المواطنين فرص الأهلية الظرفية لكي يتمكنوا من ترشيح أنفسهم وسط جمهورهم الذي تتحقق له معايير الاستعداد للذهاب إلى صناديق الاقتراع، وحتى لو تحقق هذا الأمر عنوة فسيوجه السخط العام على الزعامات السنية الحالية المترشحة، وتصبح الزعامات الشيعية هي الرقم البديل. أي أن تحقق فرضية إن الزعيم الشيعي يمكن أن يكون زعيما للسنة تطبيقاً لنظرية “الأغلبية السياسية” التي يروجها قادة الكتل الشيعية، وليس على أساس الإنجاز الوطني بل وفق مفهوم قيادة السياسيين الشيعة للعراق وخضوع الجمهور العربي السني لهم مباشرة من دون وسيط سني أو وسيط تم تدجينه خلال الفترة الأخيرة تحت شعار محاربة “الارهاب”.

وهناك وضع لوجستي جديد تم إرساؤه بعد تحرير المدن العربية السنية يتمثل في هيمنة القوى العسكرية للحشد الشعبي على إدارة تلك المناطق مع بعض القوى الأمنية العسكرية، وبروز قيادات موالية لفصائل الحشد الشعبي من داخل تلك المناطق ما خلق حساسيات عشائرية قد تقود إلى صدامات مسلحة لكي تُستبعد القيادات السياسية التقليدية وتحل محلها وجوه أكثر التصاقا وتنفيذا لمتطلبات سلطة الإسلام السياسي الشيعي، وهذه الحالة ستخلق اضطرابات أمنية كبيرة تتناقض مع ما يرفعه العبادي من مشروع للمصالحة الاجتماعية، لتعود مجددا دائرة الاختلال في التوازن السياسي بعد احتمالات تغييب معادلة التوفيق والشراكة.

العبادي مصر على إقامة الانتخابات في موعدها لأنه يعرف بأن التأجيل يفقده بريق الانتصار العسكري، ولكي لا تتقدم الاستحقاقات العراقية الأخرى على هذا المنجز، إضافة إلى ما تصله من معلومات حول سيناريوهات معدة للمنطقة والعراق وسوريا بشكل خاص.

لا بد أن يحدث الانقلاب الشعبي المدني ضد الفساد والجهل وإيقاف المهزلة ويتحقق الانتقال التاريخي بالذهاب بقوة إلى صناديق الاقتراع ووضع البصمة السلبية على جميع المرشحين وعدم انتخابهم، وبذلك يثأر المواطن لنفسه ولعائلته وتاريخه الذي لوثه هؤلاء، وحتى لو تم التزوير وهو سيحصل إلا أن الفضيحة ستدوي في سماء العراق ولن تعطلها عشرات العناوين المزيفة، فسرقة الأصوات والتزوير لن يسمحا بوصول أولئك المتاجرين إلى البرلمان الذين لا تهمهم إراقة الدم العراقي من أجل الوصول إلى أهدافهم.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *