لكي يُحمى العراق من فوهة النار المقبلة … بقلم د. ماجد أحمد السامرائي

لكي يُحمى العراق من فوهة النار المقبلة … بقلم د. ماجد أحمد السامرائي
آخر تحديث:

رغم تصريحات جميع السياسيين العراقيين داخل العملية السياسية بنبذهم للطائفية ودعوتهم للوطنية والوطن، إلا أن واقع الحال هو غير ذلك. فالاصطفاف والتحزّب والتصعيد والاحتراب السياسي الطائفي هو السائد اليوم في العراق.

وإذا كانت فوهة الحرب الطائفية التي انفتحت بقوة عامي 2006 و2007 بجرافات القتل في الشوارع والتهجير، فإنها قد أغلقت بسدادات بلاستية وترميمات فضفاضة دون أن يتنادى أقطاب العملية السياسية إلى وقفة وطنية جادة للمراجعة وتشخيص الأسباب والعوامل والحلول بروح تتجاوز الفئوية الحزبية ومصالحها الضيقة، ووضع مصالح جميع أبناء العراق في مقدمة الاعتبارات والاهتمامات.

وما حصل خلال السنوات الخمس التالية هو المزيد من التشظي داخل طواقم العملية السياسية، والتنافر بل والاحتراب بين أقطابها تحت شعارات التهميش والإحباط من جانب، والتمسك بالسلطة لدى الجانب الآخر، في وقت انغمس بعض الطارئين والنفعيين في حمى جني الغنائم، وامتداد أخطبوط الفساد إلى كل زاوية ومركز حكومي أو أهلي، وشيوع ثقافة السرقة والرشوة على جميع المستويات، وأكثرها فجاجة ما يتعلق بتهميش معاملات حقوق المواطنين في المصالح الحكومية. كذلك عرقلة استعادة الحقوق للكثير ممن فقدوا وظائفهم في مستويات مختلفة في الدولة السابقة حتى وإن كانوا مفصولين سياسيين أو هاربين من بطش النظام السابق، لكونهم من مكوّن آخر.

كما أصبح الدستور وقوانين بريمر جائرة في نظر ضحاياه، ومقدسّة لدى من أصبحت تشكل لهم دعامات للحماية والتحصن من “الأعداء المفترضين – البعثيين والعرب السنة” مما يجعل أية محاولة للتحرش بتلك القوانين بمثابة تهديم لسواتر الدفاعات الأمامية للحكم المدار من قبل (حزب الدعوة) ومناصريه من الكتل “الشيعية”.

والجانب المهم المتعلق باشتعال محيط العراق العربي بثورات الشباب التي ابتدأت بشوط “التظاهرات والاحتجاجات السلمية” وتحولها إلى ثورات مسلحة مثلما يحصل حالياً في سوريا، فقد حاول الخطاب الرسمي العراقي عزل “الأزمة السياسية العراقية” والادعاء بأن الحالة العراقية قد سبقت “الربيع العربي” وقد يكون مثل هذا الادعاء صحيحاً والجميع كان يتمنى ذلك لولا الحقائق التي أكدت أن تغيير نظام صدام قد تمّ بقوة الاحتلال العسكري الأميركي وليس عن طريق انتفاضة شعبية وطنية داخل العراق، أو انقلاب عسكري، يزيح فقط من تلطخت أياديهم بدماء العراقيين وإحالتهم إلى القضاء.

وكانت تمنيات جميع المخلصين لهذا البلد تدعو إلى قيام تجربة ديمقراطية نموذجية، وأن يقاد العراق من قبل جميع قواه وشخصياته الوطنية وفق نظام المواطنة والسلم الأهلي والتعايش الاجتماعي والتنمية الشاملة والاستقرار والرفاه، وليس المهم مَن الزعيم الذي يقود سواء أكان (شيعياً أم سنياً أم كردياً).

ما حصل في المنطقة من إعصار كشف عن تحوّل فكري وسياسي مخيف، فالكبت السياسي والاجتماعي في خنق الحريات ومصادرة الحقوق وسيادة الظلم والاستبداد، والإحباط الذي ولدته السياسة الأميركية في احتلال كل من العراق وأفغانستان أدى إلى انفجار مفاجئ حيث وجد الشعار “الديني” موقعه المؤثر في الضمائر والنفوس الجمعية العربية، مما وفر الفرص لنمو التيارات المتطرفة وخصوصاً “تنظيم القاعدة” ووضع القوى الإسلامية في مقدمة تلك الانتفاضات الشعبية، وتأخر أصحاب المشاريع السياسية الليبرالية عن اللحاق والتأثير القيادي في الواقع السياسي لتلك البلدان ومن بينها العراق.

مما عزز حالة الاستقطاب الطائفي على المستوى الإقليمي ما بين المشروع “الشيعي” الذي تقوده إيران وأركانه (العراق – سوريا – لبنان) والمشروع “السني الذي تقوده وتحركه كل من السعودية وتركيا وقطر، وأركانه جميع البلدان العربية بما فيها دول الخليج ما عدا سوريا والعراق ولبنان المقسمة طائفياً. وإن الدول الكبرى ترتب مصالحها وفق هذه الحقائق بينها دول فقدت بريقها منذ عقدين كروسيا، وتحاول استعادته على حساب دماء الشعب السوري، مستثمرة وضع أميركا المتقهقر عن تحقيق حلمها بشرق أوسط جديد تقوم كياناته السياسية وفق الكونتانات الطائفية والعرقية حيث تتبوأ إسرائيل مكانة الصدارة فيه، ووضع الدول الأوروبية الحالمة باستثمارات الشرق الأوسط.

إن ما يحصل في سوريا اليوم رغم مرارته يؤكد أنه روسيا وجدت نفسها أمام خيار التشبث بنظام بشار بعد فقدانها لكل من العراق وليبيا، كما أنها وعلى المستوى الأمن القومي تخشى “التطرف الإسلامي السني” الذي دقّ أبواب موسكو قبل عقدين في حركات أبرزها “الشيشان” وهي بذلك تلتقي مع طهران في المصلحة، وتجد في سكوت واشنطن إغفاءة المتقهقرين. فيما لم يسمعها عرب (الجامعة) الذين حجوا إليها قبل أيام ما يثنيها عن مواصلة سياسة دعم نظام بشار.

لقد وجه المالكي تحذيرات إعلامية من “انتصار المعارضة السورية على نظام الأسد حيث ستندلع حرب أهلية في لبنان وانقسامات في الأردن وحرب أهلية في العراق” كما فسّر قتال نظام بشار بأنه “دفاع الطائفة العلوية عن نفسها”. وهذه التوصيفات تدخل ضمن إطار المخاوف من وصول الإسلاميين “المتطرفين” إلى الحكم في سوريا رغم تأكيدات الكثير من أقطاب المعارضة أن التيار السلفي المتطرف لن يكون قائد عملية التغيير السياسي المقبلة وإنما قد يكون مشاركاً فيها.

إن مخاوف إيران ولبنان حزب الله والحكم في العراق من سقوط نظام بشار مبررة بكونه يمثل سقوط الركن الحيوي من المشروع الإيراني في المنطقة حتى وإن لم يصل التيار السلفي إلى الحكم. ولم تعد لافتة “قوى الممانعة” قادرة على الصمود في وجه تطور الأوضاع السياسية في المنطقة، وكذلك مخاوف الحكم في بغداد بأن ما يجري في الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وجزء من كركوك من تصعيد يهدف إلى إسقاط السلطة الحالية واستبدالها بسلطة تشكل امتداداً للحكم المقبل في سوريا.

وحتى لو صحّت تلك المخاوف من السيناريو الذي قد يحصل في دمشق وبغداد، عبر تحركات مسلحة لا سمح الله، فإن التعاطي الحالي مع التظاهرات لا يقود إلى تأمين عدم الوصول إلى السيناريو الخطير هذا، وإلى تجنيب العراق فوهة البركان واندلاع الحريق على أرضه.

فما يحصل حالياً من ظواهر أمنية واستقطابات تحاول إعادة الحياة للمليشيات المسلحة إلى جانب الخطاب الحزبي المتشنج نحو الاستقطاب الطائفي الخطير، سيؤدي إلى تقريب مخاطر ذلك السيناريو، مما يدعو السياسيين إلى مراجعة جادة ووقفة تستثمر البيئة السلمية للتظاهرات والحس الوطني للقيادات العشائرية والدينية، وتجاوز الاعتداد بالنفس والنظرة الفوقية، والوصول إلى حلول منصفة للمواطنين العراقيين، ليس عن طريق اللجان والابتعاد عن لغة التخوين، وعدم الانشغال بالتفصيلات المعززة للاستقطاب.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *