مع مطالب ثورة الغضب الشعبي

مع مطالب ثورة الغضب الشعبي
آخر تحديث:

بقلم:ضياء الشكرجي

أسميها «ثورة الغضب الشعبي» أو «انتفاضة الغضب الشعبي» أو «الغضب السلمي»، مدركا أن حركة الاحتجاجات التي انطلقت من البصرة، ثم سرعان ما عمت جميع محافظات الوسط والجنوب، بما في ذلك العاصمة بغداد، لم تصل إلى مرتبة «الثورة»، ولا حتى «الانتفاضة»، لكني أستخدم مصطلح «الثورة» مجازا وتطلعا، وكيفما نعتناها، تبقى تعبيرا عن الغضب الشعبي السلمي الواعي، ضد أحزاب الإسلام السياسي، وضد كل مساوئ العملية السياسية منذ 2005 حتى الآن، عبر أربع حكومات ترأسها ثلاثة قياديين من حزب الدعوة.

لا أريد أن أتناول أسباب تخصيص الجماهير الغاضبة التعبير عن غضبها ضد أحزاب الإسلام السياسي الشيعية بالذات، حيث صبت الجماهير المتظاهرة جام غضبها على مقرات (الدعوة، الفضيلة، الحكمة، بدر، العصائب، المجلس، الإصلاح الوطني)، وفي إحدى المحافظات شمل ذلك حتى التيار الصدري. فالأسباب تعرفها الأحزاب المعنية، ويعرفها الشعب العراقي.

لكني أريد تناول أهم المطالب التي رفعها المتظاهرون، مع بيان ثمة وجهة نظر في كل منها، دون امتلاكي حق الوصاية، فالقرار للقادة الميدانيين. وأقول أهم وأبرز المطالب، لأننا إذا تناولنا جميع المطالب، فإنها بلغت العشرات، بل ربما اقتربت من المئة مطلب.

  1. مطلب توفير الخدمات: كالكهرباء والماء الصالح للاستعمال البشري، وإلى غير ذلك من المطالب المشروعة، خاصة في بلد غني ليس من الطبيعي أن يكون شعبه محروما من أهم مستلزمات الحياة. لكن الواعين من المتظاهرين التفتوا إلى عدم صحة الاقتصار على هذه المطالب، بل سرعان ما طوروا مطالبهم لتشمل إصلاح العملية السياسية بكل تفاصيلها، لأن غياب الخدمات هي نتيجة لسوء الأداء السياسي، واعتماد الطائفية السياسية، والمحاصصة الطائفية والقومية والحزبية، والفساد، وغياب التخطيط والكفاءة.

  1. مطالب تعيين العاطلين: لاسيما الخريجين الذين لم تتوفر لهم فرصة ممارسة اختصاصاتهم التي درسوها لسنوات في الجامعات. ولكن مطلب أن يكون من مهام الدولة تعيين كل الخريجين في الدوائر الحكومية لا يمكن أن يكون صحيحا. طبعا المطالبون بذلك محقون، لأنه أصبح أمرا بديهيا في العراق وفي عموم بلدان المنطقة أن يدرس الشاب والشابة في الجامعة ويتخرجان ليجدا وظيفة في إحدى دوائر ومؤسسات الدولة. هذا جاء نتيجة غياب خطة للتنمية الاقتصادية على جميع الأصعدة، من صناعة وزراعة وتجارة وخدمات، يضطلع بها القطاع الخاص، والقطاع العام، والقطاع المختلط، والشركات الأجنبية الرصينة، بعيدا عن الفساد، وتسييس الاقتصاد.

  1. مطلب حل الأحزاب: ذلك لتجربة الشعب العراقي السيئة والمخيبة للآمال لأحزاب ما بعد التاسع من نيسان 2003، بعدما عانى من ديكتاتورية حاكمية الحزب الواحد، أو الحزب القائد. لكن بلا شك إن النظام الديمقراطي لا يتقوم إلا بالتعددية، ولا تتحقق التعددية إلا بالحياة الحزبية، لكن مشكلتنا في العراق إن الأحزاب المهيمنة أو المؤثرة على أي نحو كان على العملية السياسية، فهي إما أحزب إسلامية فاسدة وغير مؤمنة بالديمقراطية وبالحريات والحقوق المتساوية على أساس المواطنة، وهي بالضرورة أحزاب طائفية، وهذا ينطبق على كل أحزاب الإسلام السياسي الشيعية، وكذلك على الحزب الإسلامي العراقي السني، وإما هي أحزاب طائفية حتى لو لم تكن إسلامية، وهذا ما نجده أكثر على الجانب السني، وكل هذه الأحزاب فاسدة وسارقة أو مهدرة للمال العام، ومنها أحزاب مارست العنف والقتل وانتهاك حقوق الإنسان، كما نجد الكثير من هذه الأحزاب ذات ولاء لدولة أجنبية، على رأسها إيران، بالنسبة للأحزاب الشيعية، وبالنسبة للأحزاب السنية، فكانت لدينا تجربة مع ولاءات للسعودية وقطر وتركيا، أو ليس أقل من التنسيق الكبير والمضر بالمصالح الوطنية مع هذه الدول. إذن يجب تحديد الأحزاب التي يجب حلها، وليس تعميم المطلب، ليلغي الحياة الحزبية، والتي هي من أركان ومقومات النظام الديمقراطي.

  1. مطلب حل مجالس المحافظات: فهنا شخص المتظاهرون فساد وعدم كفاءة وتقصير مجالس المحافظات والمحافظين على الأعم الأغلب. لكن بلا شك لا يمكن إلغاء هذه المجالس، كشكل من أشكال اللامركزية، والعودة إلى النظام المركزي، بل إذا ما حققنا المطلب الأول بحظر الأحزاب الطائفية والفاسدة والمسيسة للدين، وامتلكت الجماهير وعيا بحسن اختيار الأصلح لإدارة المحافظات، عندها سنحقق الدافع لهذا المطلب والمراد من ورائه، عندها سيتحقق إصلاح الإدارة المحلية لمجالس وحكومات المحافظات والإقليم، أو الأقاليم، عند تطبيق الفيدرالية تطبيقا صحيحا.

  1. مطلب التحول إلى النظام الرئاسي: لا أتصور إن هذا يمثل مطلب الجميع، لاسيما لا يمكن أن يكون مطلب القيادات الشابة الواعية للتظاهرات، لأن النظام البرلماني هو الأضمن لتطبيق الديمقراطية، بينما يختزن النظام الرئاسي خطر الاستبداد والتفرد والتوسع بالصلاحيات. سوء أداء مجلس النواب خلال دوراته الثلاث علاوة على دورة الجمعية الوطنية، باستثناء القليلين جدا من النواب؛ سوء الأداء هذا لا يمكن أن يكون مبررا لإلغاء مجلس النواب، أو للتحول إلى النظام الرئاسي، الذي لا يلغي بدوره وجود مجلس للنواب، فالإنسان الشرقي، لاسيما الرجل الشرقي، غالبا ما تكون لديه نزعة استبداد وتفرد وتمسك بالسلطة، مما لا يظهر على الأعم الأغلب إلا عند وضع السياسي على محك الاختبار، اختبار السلطة وامتلاك الصلاحيات الواسعة، كما هو الحال مع صلاحيات الرئيس في النظام الرئاسي.

  1. مطلب إلغاء الدستور: لا يمكن لدولة أن تكون بلا دستور، بل الدستور يحتاج إلى تعديل في العديد من مواده. مع العلم إن الدستور العراقي الذي أقر عام 2005، والذي طبخ على عجل وعلى نار عالية، ومع وجود كل الملاحظات عليه، هو من أفضل الدساتير التي مر بها العراق، بل من أفضل الدساتير في المنطقة. إذن العيب يكمن في سوء تطبيق الدستور، وفي الانتهاكات الدستوية، وعلى الأرجح كذلك في المحكمة الاتحادية التي لا تتحلى بالقدر الكافي من الاستقلالية والشجاعة، لاسيما في مواجهة الضغوطات السياسية التي تمارس عليها، خاصة عندما تكون هناك مادة دستورية لم تجرِ صياغتها بالقدر المطلوب من الدقة والوضوح، مما يجعلها من «المتشابهات»، أي التي تتحمل أكثر من معنى، مما يؤدي إلى تعدد المعاني التي يجري تأويلها إليها. نعم هناك مواد دستورية تمثل ألاغما، يجب حذفها أو تعديلها. نعم يمكن أن يكون مطلب إلغاء الدستور صحيحا، إذا اقترن بالدعوة إما إلى تعديل جوهري شامل، وإما إلى كتابة دستور جديد، والخيار الأول هو الأكثر واقعية، على أن يكون الالتزام بالدستور الحالي ملزما لهذه المرحلة، أي لحين إجراء التعديلات المطلوبة، ومنها إلغاء المادة الثانية، وتوضيح المقصود بالكتلة الأكبر*، بجعلها الكتلة التي حصلت من خلال الانتخابات حصرا على أكبر عدد من المقاعد، وليس من خلال التحالفات المابعدية، أي التي تجري بعد ظهور نتائج الانتخابات. أما تشكيل الائتلاف من قبل الكتلة الأكبر، إذا لم تمتلك الأكثرية المطلقة، بل الأكثرية النسبية فقط، يكون حصرا لغرض تشكيل الحكومة الائتلافية ذات الأكثرية المطلقة، وعلى أن يكون الائتلاف الحكومي قائما على أساس البرامج، وليس على أساس المحاصصات والانتماءات الطائفية والعرقية، كما يجب إلغاء التزامن بين الانتخابات النيابية وانتخاب رئيس الجمهورية، كي لا يمرر ذلك بصفقة على أساس ما يسمى بالسلة الواحدة سيئة الصيت (رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب)، كما يجب إعادة صياغة توزيع الصلاحيات الاتحادية (المركزية) والصلاحيات المحلية للأقاليم والمحافظات، وغيرها من التعديلات، وأهمها تثبيت مبدأ المواطنة الذي يجب أن يسري سريانه على كل تفصيلات العملية السياسية، وحظر مخالفته، التي تصل عقوبتها إلى درجة منع الحزب السياسي أو الشخصية السياسة المرتكبين للمخالفة من مزاولة العمل السياسي، بشكل دائم أو لمدة يحددها القانون، حسب درجة المخالفة وضررها.

  1. مطلبا إلغاء نتائج الانتخابات وإقالة الحكومة: إنهما مطلبان منفصلان، إلا أني دمجتهما، لأنه تترتب عليهما نفس التبعات. بلا شك لا يمكن لبلد أن يبقى بلا حكومة وبلا مجلس نواب، من هنا إذا تحقق هذا المطلب، فلا نملك إلا أن تكون الحكومة الحالية حكومة تصريف أعمال، وهي حاليا من الناحية الدستورية كذلك. لأننا إذا أردنا أن نختار رئيسا آخر للحكومة، ليشكل حكومة تصريف أعمال موقتة، فبأي آليات، وكيف سيجري الاتفاق على رئيس هذه الحكومة وعلى الوزراء، فبتصوري إن هذا سيدخل البلاد في مأزق. نعم يمكن المطالبة بإلغاء الانتخابات والدعوة إلى انتخابات جديدة يحدد لها موعد. لكن هل سنضمن ألا يتكرر السيناريو الذي حصل في الثاني عشر من أيار الماضي؟ هذا يحتاج أولا إلى تحقيق المطلب المهم والصعب في نفس الوقت، وهو إلغاء كل الأحزاب المدانة بالفساد والطائفية السياسية والمحاصصة وعسكرة المجتمع والولاء لدول أجنبية. وإذا افترضنا أنه حصلت المعجزة وتحقق لنا ذلك، فمن أين نأتي بأحزاب بديلة، وطنية، ديمقراطية، علمانية، نزيهة، كفوءة، ذات برامج سياسية واضحة، ومؤثرة، وذات شعبية كبيرة، تمنحها فرص الفوز الذي يؤهلها لإدارة السلطة التنفيذية للمرحلة المقبلة. هذا كله نحتاج إليه من أجل أن نحقق دولة ديمقراطية علمانية قائمة على أساس المواطنة.

  1. مطالبة المرجعية بتحديد الموقف: صحيح إن هذا ليس مما هو متفق عليه، فقد أعلن أحد المتحدثين باسم التظاهرات في كلام له ينم عن وعي ووضوح، أن المتظاهرين لا يتحدد موقفهم لا من خلال موقف المرجعية، ولا موقف التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، ولا موقف الحزب الشيوعي. فهم لم يخرجوا استجابة لنداء من المرجعية، وسيواصلون التظاهر، سواء أيدتهم المرجعية أو لم تؤيدهم. ولكن ظهرت أصوات هنا وهناك تشير إلى تعويل أصحابها على المرجعية. والموقف الصحيح عدم التأثر بموقف المرجعية، بتحديد موقف المتظاهرين في ضوء موقفها، وكذلك عدم التعويل عليها، فإن كان موقفها مساندا، فيجري الترحيب بموقفها، دون إعطاء انطباع أن المتظاهرين إنما يخرجون مستجيبين للمرجعية، أو معولين عليها، وإذا افترضنا أنها اتخذت موقف عدم الاكتراث وعدم الدعم، فهذا أيضا لا ينبغي أن يؤثر على التظاهرات؟

  1. المطالب المناطقية: إن المطالب المناطقية لهذه المحافظة أو تلك مشروعة ومهمة ويجب أن تطرح، لوجود ثمة خصوصية لكل محافظة أو منطقة، ولكنها لا يجب أن تتخذ موقع الأولوية والمحورية، بل لا بد من التركيز على المطالب التي تشمل كل محافظات العراق، وعلى رأسها إصلاح النظام السياسي.

*: الأصح «الكتلة الكبرى»، لأن مؤنث (أفعل) للتفضيل هو (فُعلى)، لكن هذا الذي شاع خطأً استعماله في العراق.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *