مقاهي شارع الرشيد.. فولكلور مهدد بالانقراض

مقاهي شارع الرشيد.. فولكلور مهدد بالانقراض
آخر تحديث:

محمد اسماعيل

كلماتي تنتحر في هذا الموضوع، ناسفة نفسها، قبل ان أكتبه؛ لأنها عبارة عن اجترار لذكريات طيبة، سقطت من زمن جميل، الى حاضر أفل فيه شارع الرشيد، جفت على المصدات الكونكريتية تداعيات خواطر يفاعتي، ونحن نغادر حال انتهاء الدرس الأخير، من جدول يومنا، في إعدادية «الثورة» للبنين، مطلع الثمانينيات، نتجه الى الباب الشرقي، ندرج على أرصفته المعطرة بماض ما زال حيويا ينبض. أقرب المقاهي منا «البرازيلية» نلج واجهتها الزجاجية، لنقتعد أمام الرصيف، نتأمل المارة، وخلف ظهورنا يجلس.. اسماعيل الشيخلي.. رساما وموسى كريدي.. قاصا وعبد الامير الحصيري.. شاعرا وعزيز عبد الصاحب.. ممثلا، رأى بيدي «الوجود والعدم» لجان بول سارتر.. موضة تلك المرحلة الثقافية؛ فدنا مني: «عمو هذا ماخذه لوالدك» فسردت على مسامعه سيرة حياتي؛ لأنني «ما مصدك» عملاق ثقافي «يحجي وياي» مجيبا: «لا استاذ آنه من العمارة.. أبوي ميت قبل ولادتي، وعايش عد إجدادي بالثورة.. هذا الكتاب إلي آنه أقراه، كي أكمل دورة مؤلفات سارتر، بعد أن قرأت له «الابواب الموصدة» و»نظرية العقل الجدلي» و…» قاطعني عندما شعر بأنه تورط بفتى مهذار: «بارك الله بك.. كلما احتجت كتابا، إذهب الى مكتبة الاورفه لي» في البتاويين، لصاحبها علي حسين.. «مدير تحرير الزميلة جريدة المدى.. حاليا» وهو يقسط عليك أسعار الكتب الغالية بكفالته، وأنا سأعلمه بذلك». «انفتحت أبواب جهنم على شقيق علي..» وصرت آخذ عشرات الكتب بالتقسيط، وأوفي فعلا من دون خلل، بمساعدة منه، إذ كان يخفض لي الاسعار ويتنازل عن القسط الاخير.. وأنا أجمع حوالى 3 دنانير كل إسبوع، من مصروفي البالغ 100 فلس يوميا، أوفرها من كوني أمشي على الاقدام، من «دور الشهداء» قطاع 34 الى إعدادية الثورة، في عمق الجوادر.دأبنا على البرازيلية، شبابا بانتظام، وشخنا في مقهى «حسن عجمي» في شارع الرشيد.. نفسه من جهة الميدان، نقطع الطريق، مشيا، نمر بمحال الثياب والتسجيلات، التي أقتني منها أغاني ريفية وسمفونيات.نبلغ مقهى «البرلمان»، ونتعشق هوى هدوئه، وقبل ان ننتظم مواظبين على ارتياده، اغلقته شعبة «الامن الثقافي» في مديرية الامن العامة.. لأسباب غير مجهولة آنذاك، لكن «الكل يسوي نفسه ما يدري» ثم تحول الى محال لبيع الادوات الاحتياطية.

مقهى «الشط» نطل منه.. ليلا على نهر دجلة، نتبادل قراءة نتاجنا الادبي.. أنا قاص وجعفر شبيب.. مطرب واحمد وكاظم الفياض ود. يوسف اسكندر وفاضل الخياط وشعلان شريف والمرحوم خالد جابر.. شعراء وصديقان مثقفان.. المهندس رائد خيرالله وعباس فاضل.. السمين.. وأبناء عمتي.. عباس كاظم وفاضل صالح، يعطون آراء بقصصنا وقصائدنا واغنياتنا، في فضاءات مقهى «الشط» الممتد، من رصيف شارع الرشيد، الى شاطئ دجلة. طاب لنا المقام، في المقهى «البغدادية» الملحق بالمتحف، جوار سوق السراي، قاطعين بعض اللقاءات في مقهى «ام كلثوم» لنستقر منذ أواسط الثمانينيات، الى منتصف التسعينيات، في «حسن عجمي» الذي فارقته، بحكم مسؤولياتي في جريدة «الجمهورية، التي لم تتح لي فرصة؛ كي يتمطى الوقت، للراحة. نسف الواقع السياسي إبان الثمانينيات والتسعينيات، والصدمة الاقتصادية بعد 2003، كل تلك الانثيالات، ولم تعد من الذكريات، سوى خيبة أمل بتفاؤل، لن يعود.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *