وزراؤنا الجدد.. “سمج بالشط”

وزراؤنا الجدد.. “سمج بالشط”
آخر تحديث:

بقلم:علي علي

ها نحن نعيش للمرة الرابعة خلال عقد ونصف عقد من السنين، أيام تشكيل فرسان الوزارات وممتطي صهوات قياداتها، والذين سيكون بأيديهم زمام أمورنا، وتحت رحمتهم مصائرنا، دون ملء أيدينا من كفاءتهم، ودون اطمئناننا من صحة النتائج، بل أن الأخيرة يشوبها التوجس والريبة، وكأننا على كف عفريت مخمور واقف على شفا حفرة عميقة.

لانملك نحن العراقيين، غير التمني بأن يكون فرسان أحلامنا في وزاراتنا على شاكلة بعض الأولين، الذين كانوا قد اعتلوا مثل هذا المنصب في المجلس التنفيذي إبان العهود السابقة، وليس علينا غير الحلم والتمني بنيل الجيدين منهم، وكذلك الدعاء بأن يكون نصيبنا في التشكيلة الجديدة أشخاصا مثلهم، ولانطمع بأحسن منهم.

فبالعودة الى فهرس الإخلاص والنزاهة في سجل ساسة العراق وقادته والمتبوئين مراكز القيادة في مؤسساته التنفيذية، يتضح لمقلب صفحاته ندرة الأسماء وتباعد الفترات الزمنية التي تتخلل ظهورهم، إذ يبرز بين عشرات الأسماء من المسؤولين اسم واحد او اسمان، وإن تفاءلنا بأكثر تقدير فإن العدد سيكون ثلاثة، وتوقيت هذا كل عقدين من الزمن، وهم يؤدون واجباتهم كما ينبغي أن يؤدوها، والقليل القليل ممن أداها بكثير من الإخلاص والقليل من الأنانية.

فحين أسست اول وزارة في تاريخ العراق المرؤوس من قبل عبد الرحمن النقيب عام 1921 أسندت وزارة المالية الى (ساسون حسقيل) وكانت مهمة غاية في الصعوبة آنذاك، ذلك ان العراق كان مثقلا بتركة ديون الدولة العثمانية من جهة، ومن جهة أخرى حداثة الحكومة العراقية حينها.

ولو أخذنا هذا الشخص ووضعنا تصرفاته تحت مجهر الإنصاف للحكم على وطنيته وإخلاصه لبلده، لهالنا ما بدا منه من تحديات لظروف كانت آنذاك قاهرة لدولة فتية مثل العراق، ولو اقتدى مسؤولونا ولو بعُشر ماكان عليه (حسقيل) من صدق وشفافية في التعامل المهني (چان هسه احنا بخير).

وأقل ما سأذكره هو كيفية اتخاذه قرار بيع النفط ليس بالعملة الصعبة فحسب، بل بالذهب، الأمر الذي دعا السفير البريطاني أن يشكوه لدى الملك فيصل الأول، والأخير بدوره استدعى ساسون وطلب منه ان يعدل عن قراره ذاك، فما كان من ساسون إلا إصراره على موقفه وقال للملك فيصل مانصه: (ياجلالة الملك انا لااستبدل النفط بـ “الكواغد” -يقصد الاوراق النقدية- انا قررت ان ابيع الذهب الأسود بالذهب الأصفر)، وحين استفسر رئيس الحكومة ياسين الهاشمي من ساسون عن ذلك قائلاً: “كيف تصر على المساهمة في راس مال الشركة النفطية، والخزينة خاوية وليس لدينا المال اللازم لذلك؟ رد عليه ساسون: ان الامر بسيط.. فاذا أجيب طلبنا وخُصصت لنا حصة في رأس المال يمكنني رهن تلك الحصة والحصول على قرض يربو على قيمتها، اما بخصوص الدفع على اساس الذهب، فقد ناقشه ممثلو الشركة والموظفون البريطانيون في وزارة المالية، وقالوا ان قاعدة الذهب نظرية قديمة بالية، أجابهم ساسون بإصرار وبشيء من المزاح: أنا اتمسك بها لانني ايضا رجل متحجر الفكر من بقايا العهد العثماني الزائل، ولم يتزحزح عن موقفه قيد شعرة. ويبدو ان موقفه المتصلب هذا جلب عليه غضب بريطانيا، فلم يُستوزر بعد ذلك.

إلا أن الأيام أثبتت صحة اصرار ساسون على الدفع على اساس الذهب، فالعملة البريطانية -الباون الاسترليني- هبطت قيمتها، اذ ان النص الذي طلبه ساسون في الاتفاقية بعد خروج بريطانيا على قاعدة الذهب، افاد العراق فائدة كبيرة وضاعف كثيرا من ارباحه. وقد علق الملك فيصل عن عناد ساسون قائلا: “انني مبتهج لموقف وزير ماليتي وصلابته، فاذا كان قد وقف مني هذا الموقف فاني مطمئن الى انه يقف موقفا اشد صلابة تجاه سائر الوزراء والموظفين، لاجل الحرص على خزينة الدولة”.فهل سيكون من بين فرسان أحلامنا من الوزراء في التشكيلة القادمة بهذه الشفافية والمصداقية والنزاهة والإخلاص والحرص؟

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *