أدب التوثيق

أدب التوثيق
آخر تحديث:

د. حسين القاصد

اهتم العرب باعلامية الشعر ، حتى صار الشاعر أشبه بالناطق الاعلامي للقبيلة ثم صار اقرب الى ان يكون وزير اعلام في الدولة لاسيما دولة المناذرة والدول التي تلتها ؛ فلقد كان لإعلامية شعر حسان بن ثابت الدور الكبير في اشاعة النصر وتوثيقه ، ومثل ذلك الكثير ، فسرعان ما عرفنا عمورية من ابي تمام ، وعرفنا انها معركة انتصر بها المعتصم ، ونقل لنا صاحب الاغاني كل ما احاط المعركة من أسطرة ، ولاشك ان هذه الأسطرة كانت من ثمار قصيدة ابي تمام ، لاسيما في احتدام الصراع بين الواقع والمنجمين ، الذي حسمه ابو تمام لصالح معتصمه ، لتنتهي المعركة وتبقى واثبة في التاريخ هي والقصيدة ، ولولا هذه القصيدة لكانت عمورية حدثا عابرا يمر مرور اية معركة خاضها المسلمون ؛ ومثلها قصيدة المتنبي ( على قدر اهل العزم …)  فقد وثقت لمعركة  (الحدث):

  هل الحدث الحمراء تعرف لونها
 وتعلم أي الساقيين الغمائم
 وعرفنا اسم المعركة واسم المدينة واسم جبل الاحيدب :  ( ثرتهم فوق الاحيدب ..) ، والشعر الوثائقي ليس شعر مناسبات انما هو شعر مؤسس للمناسبة ، فبعد ان يوثق الحدث ويدعمه اعلاميا ، تندفع السلطة باتجاه الاعتزاز به والاحتفال به كل عام فيتحول الى مناسبة ، وهو مايجري في العصر الحديث ، حيث قام الشعر بتوثيق كل تفاصيل ثورة العشرين ، ثم صارت مناسبة يقصدها شعراء المناسبات ، وصار احتفال تنصيب الملك وقام الشعر بتوثيق الحدث ، ثم تحول الحدث الى مناسبة يتهافت عليها الشعراء ، وعندما تولى البعث السلطة في العراق ، جعل حتى المهرجانات ترتبط بالمناسبات التي تخصه ، فأقام مهرجان المربد في بداية نيسان وهو تاريخ تأسيس الحزب ، واقام مهرجانات التأميم التي بدأت بمهرجان توثيقي ثم تحولت الى مناسبة يقصدها الشاعر ليمدح السلطة ؛ وهكذا يبدأ الشعر بتوثيق الحدث ثم تأتي السلطة لتوقظ الذكرى بعد عام وتحتفل بها . وليس كل الشعر الاعلامي سيئا ، ولا كل الادب الاعلامي كذلك ، ذلك لأن الادب بشكل عام والشعر على وجه الخصوص لأنه اسرع الاجناس الادبية تفاعلا مع الحدث ، لأنهما يوثقان لقضايا الشعب أيضا ، والا لانتفت الحاجة للمثقف العضوي ، ومن قضايا الشعب كثيرة ، فالذي يوثق لحادثة جسر الائمة على سبيل المثال ، لن يصب في مصلحة سلطة ما حتى لو تحولت الى مناسبة يحتفل بها سنويا ، ومثلها حادثة سنجار ومثلها حادثة سبايكر ؛ لذلك لنا أن نسأل الجهات المعنية ، هل من توثيق لأدب مرحلة  داعش ؟. هل من جمع ماكتب في هذه المرحلة من شعر وقصص وروايات ، هل من بصمة نقد ثقافي تكشف لنا انساق الخطاب الادبي في المناطق التي احتلتها داعش ؟ نريد ادباً يوثق لهذه المرحلة ، لأنها حتى لو تحولت الى مناسبة ، ستكون مناسبة للوطن ولشعبه وليس لحكومة ان تنتفع مما يقال فيها. 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *