أدب السخرية والكوميديا السوداء

أدب السخرية والكوميديا السوداء
آخر تحديث:

علاء كريم

تعد الكتابة الساخرة تمردا على الواقع، بشكل مغاير للقيم الفكرية والجوانب التقليدية، سياسية كانت أم اجتماعية، فضلاً عن أنها تعكس صورة الواقع بجماله وقبحه، لكن بأسلوب مختلف عن الكتابة العادية، كاتب الأدب الساخر يعمل على إظهار وجع الإنسان بكل جوانبه، لأنه يعتمد فعلا حقيقيا يبنى عليه فكرة النص وحواره، لا يعني الضحك من أجل الضحك لان هذا يعتبر تهريجا، والكاتب الساخر يعمل على بكاء المتلقي من الضحك، وفي نفس الوقت نفس المتلقي يضحك من الألم. الأدب الساخر هو الأدب القائم على المفارقة في سير الحدث، فيأتي الحدث بشكل غير متوقع، ومثير للضحك أحياناً، لذا نشاهد الكتابات الساخرة تستهلك جهد الكاتب وتستنفذ افكاره اكثر من اي كاتب آخر، كما أن الكاتب ليس بالضرورة أن يكون في طبيعته يمتلك روح النكتة، قد يكون في طبيعته غير مرح، وثقيل المزاج.

توجد الكوميديا السوداء في جميع الأجناس الأدبية من مسرح ورواية وسينما وقصة  وشعر، حيث تحمل هذه الكوميديا رؤية إبداعية عبثية تدفع الى الضحك الجنوني والاستهزاء على مواقف السلطة ومعاييرها المتشظية،تنتقد الواقع بكل مستوياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية وتعريته فكاهيا وتشخيص عيوبه عبر السخرية والهزل، ومن ثمة البحث عن مستقبل مغاير. ومن هنا فالكوميديا السوداء جدلية نقدية، تجمع بين الجد والهزل، تحرر الانسان فكرياً،وتستند إلى السخرية اللاذعة، وانتقاء الفعل الهابط والألفاظ والتعابير والصيغ التداولية، والتركيز على سلوكيات المجتمع الغريبة بافعالها ولغتها الهستيرية، تستخدم الكوميديا السوداء المسرح التسجيلي والسياسي، لتوظيف النقد المباشر بطريقة الأسلوب الساخر المرتبط بالواقع وتحولاته، وهذا يعتمد على كاتب النص ورؤية المخرج، بشكل متوازن مع الكتل وسينوغرافيا العرض. قرأت مجموعة مسرحيات للدكتور مصطفى رمضاني من المغرب، مخرج وناقد مسرحي، المسرحيات مفعمة بالسخرية القاتلة والكوميديا السوداء، صدرت هذه المجموعة “2007” تحت عنوان “بني قردون”.

ينتقد الكاتب رمضاني بمسرحياته الساخرة المؤسسات الرسمية والمجالس التمثيلية العمومية التي لا تبالي بهموم الشعب وقضاياه المصيرية، إحدى مسرحياته تتحدث عن “رئيس المجلس: الذي يناقش مع اعضائه بعض القضايا المصيرية ولا بد من الخروج بقرار حاسم، فيقول لهم: ماذا تقترحون؟ (يقوم أعضاء المجلس كلهم للإجابة كأنهم تلاميذ صغار في مدرسة ابتدائية). كما يعطي كل عضو رأيه: احدهم يقول نندد بالفاعل، وعضو آخر: يقول انا لست متفقا مع زميلي العضو الأول. رئيس المجلس: وماذا تقترح أنت؟ العضو الثاني: (بارتباك لم يكن ينتظر هذا السؤال)… أنا أقترح التنديد بالمفعول به. العضو الثالث: وأنا مع زميلي الثاني ضد زميلي الأول. أما العضو الرابع: وأنا مع زميلي الأول ضد زميلي الثاني. يصور لنا هذا المقطع المسرحي شدة الموقف الدرامي وجهل المسؤولين بشؤون الترتيب ومعالجة الحدث، وسذاجة الأعضاء المنتخبين في حل المشاكل المستعصية، وقد كان الغرض من وراء هذا النص هو اظهار الكوميديا الساذجة القريبة لـ “النكتة”، وإثارة الضحك، وتغليب جانب التسلية والترفيه على حساب الإقناع والفائدة، بل كانت هذه الكوميديا تكرس الوعي الطبقي السائد في المجتمع، وتعكس إيديولوجية السلطة أو الطبقة الحاكمة بشكل من الأشكال.

النص نفسه يعكس انهيار المثقف العربي وانكساره من جانب، وملازمته كؤوس الخمر والترنح سكرا من جانب آخر، وعبث أحدهم داخل السجن مما أدى ذلك إلى تعذيبه وتكبيله بالسلاسل، وآخر يؤدي مقامات الطاعة والولاء للأسياد وحكام البلاد ورجال السلطة المتجبرة، ليخرج بعد ذلك إلى الوجود لينهشه الفقر والبؤس في ظل البطالة وخيبة الأمل، ويحضر السكير المثقف داخل المسرحية باعتباره شهادة صادقة على زمن الرداءة والتقاعس وغياب الفعل ومصادرة حقوق الإنسان.

 يرى الكاتب أن الكوميديا السوداء تعتمد الحوار والموقف، كما ترتكز هذه الكوميديا على الواقعية الانتقادية واللجوء إلى الفكاهة المتسلطة بفن الهجاء ولغة الذم، والاعتماد على المفارقات والمتناقضات والجمع بين الجد والهزل والابتعاد عن التقليدية، بالمغادرة والتجريب. الكوميديا السوداء أداة فنية مسرحية تعكس قيمة جمالية تداعب مخيلة المتلقي وعواطفه بشكل مغاير للواقع، وفي أحيان تدفع المتلقي للتفكير بشكل سلبي ولا تدفع للتفكير الايجابي، او استخدام العقل لتغيير الواقع.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *