بغداد/شبكة أخبار العراق- وسطنا الثقافي لا يخلو من وجود الصعاليك ومغامراتهم ومشاكساتهم وكتاباتهم، وهم بيننا أشبه بالعصافير خفيفة الظل التي تخفف وطأة الحياة علينا وتجعل من الواقع المر قابلاً للحياة سهلاً ويسيرا، ومنذ أيام حسين مردان الصعلوك الأنيق، مروراً بعبد الأمير الحصيري صعلوك البلاغة والقريض، إلى عقيل علي صعلوك النثر وطائر الحداثة، إلى هادي السيد صعلوك الألوان السوداء فضلاً عن نصيف الناصري صعلوك الحداثة الشعرية وجان دمو زعيم الصعاليك. كل هؤلاء تركوا أثراً واضحاً في ذاكرة الإبداع العراقي، وهاهي غروسهم تثمر، وإذا بأسراب الصعاليك تعود ثانية إلى سمواتنا الخالية من النجوم، لأن بوجود هؤلاء يعود للكلمة ملحها وبطعم وعيهم الحاد يطوقون العالم بأجنحة شفافة لكنها عالية الخفقان كالقلوب العاشقة، وحين أهداني الشاعر الشاب أدهم عادل ديوانه ( بوح الصعاليك/ نصوصي ليست لكم) قلت في نفسي لم يمت الصعاليك بعد، فها هي أجيال جديدة بدأت تكسر بيضة الشعر وتخرج مغردة فاردة ريش أجنحتها محاولة أن تأخذها مساحة وعي جديد في ذاكرة الثقافة العراقية، وديوان البوح هذا يؤسس لصعلكة جديدة، على الرغم من أن أدواتها الفنية لم تكتمل بعد وطريقة الكتابة في الديوان، تذكرني مباشرة بالشاعر الكبير محمد الماغوط في معظم دواوينه الشعرية المبكرة التي أخرجت الذائقة العربية من بلاغتها وبيانها إلى لغة نثر يقظ يسرد الوقائع السياسية والمجتمعية والنفسية في بوتقة الغضب والتمرد والشتائم، وهو ما فعله أدهم هنا وقد زاد على ذلك الإرث صفحة حين ناقش مفهوم الإله والتدين مقدماً صورة جديدة لإله آخر لا يريد ان يشاركه فيه أحد من الذين زعموا أنهم يمتلكون الحقائق المطلقة، لقد اكتشف هذا الشاب أنه في طريقه إلى معرفة إله آخر غير هذا الاله الذي علموه أن يقدسه ويعبده وهو ما يذكرني برواية المفكر الراحل شريعتي حيث قال انه جاء للإمام الصادق شاب غاضب يقول: انني لم أعد اؤمن بالإله، فشجعه الإمام الصادق وقال له أحسنت أيها الشاب ابحث عن الاله الحقيقي لأن الذين علموك أخطؤوا حين رسموا لك إلهاً مزيفاً يظلم ويفتك بالناس ولا يفكر إلا بمجموعة من الذين تجمعهم المصالح الدنيوية والتي صبغوها بطلاء الدين.. هذه هي الفكرة لم احفظ النص. يذكرني ادهم عادل بهذا الشاب الغاضب الباحث عن الحقيقة، ولا يمكن الوصول إلى الحقيقة إلا بأعمال العقل والبحث الجاد والرغبة في إقامة الحوار وإدامته مع الجميع بحثاً عن ضفاف فكر آمن يوفر للجميع مساحة من الحرية والفهم والوعي المشترك الذي يقود إلى طرق تفاهم بعيد عن التشنج والعناد والتطرف وإقصاء الآخر والسخرية بالمعتقدات وازدراء الأديان، وكم تمنيت على ادهم أن يحكم طريقة كتابته للشعر ولايخلط أو يجمع بين نوعين من الشعر في كتاب واحد، على الرغم من انه أجاد في كتابة الشعر الشعبي، أدهم عادل شاعر ثائر متمرد وغاضب يحمل سخرية مريرة في قصائده المتنمرة والعاصفة. لا أريد لهذه العاصفة أن تهدأ ما لم تجد شاطئاً آمناً من النضج والوعي والتحرر من كل إسقاطات الإرث العُرفي الذي شوه لديه الكثير من المفاهيم والحوادث، استمر ببوحك أيها الصعلوك الجميل فأمامك الكثير من المصاعب والعقبات واسمح لنا ان نقرأ نصوصك التي هي ليست لنا.
أدهم عادل و”بوح الصعاليك”
آخر تحديث: