بغداد/شبكة اخبار العراق- الجامعات العراقية تشهدُ إنحساراً مُروِّعاً في الشخصيَّات العلميَّة الكبيرة ، فليس هُناك إلا أسماءٌ قليلة نادرة ذات وزن علمي حقيقي وقامة أكاديميَّة باسقة تقارِب حجم الأساتذة العِظام في أيام زهو الجامعات العراقيَّة!،السؤال هو : لماذا الآن غالباً ما تُختار القيادات الجامعية – ولاسيما العُليا – من غير هذه القِلَّة ؟.الدكتور نصير الربيعي كاتب وباحث في المجتمع العراقي قال :” الاسباب كثيرة اهمها عدم وجود دعم لأية مشاريع علمية بحثية والدولة لديها صاحب القامة الكبيرة وغير الكبيرة نفس الشيء”. مبيناً “فعلى ماذا يخسر الاستاذ صحته وعمره بين الكتب والبحث والتأليف ولا توجد رعاية واهتمام”.ويضيف الربيعي :” يبقى الا اذا هو اراد ان يحقق شيئا لذاته وشيئا لمجده ومجتمعه كما هو الوردي وغيره وهؤلاء قلائل”.داعياً الحكومة المركزية الى ايجاد رعاية كاملة ومتكاملة للاهتمام بالطاقات العلمية التي تهرب من العراق في احضان دول تقدر علومهم وخبراتهم.رائد لزام الريشاوي مدرس اكاديمي عزا اسباب ذلك الى عدم وجود احزاب تتبنى الكفاءات العراقية بالقول:” اغلب الكفاءات خرجت من العراق بسبب عدم وجود احزاب لديها وترفض الانضمام الى الاحزاب وهذا لا يكون في ظل الظرف الحالي”.ويعتقد محمد العامري التدريسي في جامعة المثنى ان مشكلة “هجرة العقول” لها ثلاثة ابعاد رئيسية مترابطة ومكملة بعضها مع البعض ولا يمكن الفصل بينهما وهي البعد العلمي والاقتصادي والسياسي “. موضحاً ان ” البلدان المتقدمة تسعى على استغلال الظروف السياسية والاقتصادية – الاجتماعية الصعبة التي تواجه الكوادر العلمية في البلدان النامية ومنها العراق بالعمل على سحب هذه الكوادر عبر اساليب مختلفة لصالحها لما تملكه هذه الكوادر العلمية من مؤهلات وخبرات علمية رصينة وكفوءة وبالتالي تستطيع البلدان المتقدمة من استثمار هذه الكفاءات لصالح تطورها الاقتصادي – الاجتماعي والعلمي، وبنفس الوقت يتم حرمان البلدان النامية ومنها العراق من جهد وخبرة هذه الكوادر العلمية ، اي بمعنى أخر افراغ البلد النامي من خيرة كوادره العلمية الوطنية”.ويضيف :”يكمن البعد الإقتصادي في ان هجرة العقول العلمية تشكل مكسباً مادياً كبيراً للبلدان المتقدمة ، اذ تحصل هذه البلدان على كوادر علمية جاهزة لم يتم اي انفاق مالي عليها، وبالتالي يمكن القول انها تشكل ربحاً اقتصادياً كبيراً للدول المتطورة “. منوهاً الى ان ” هجرة الكوادر العلمية تشكل خسارة علمية ومادية كبيرة على بلدانها لا يمكن تعويضها، وبالمقابل تبقى هذه البلدان النامية متخلفة من الناحية العلمية والاقتصادية بالمقارنة مع البلدان المتطورة “. واستطرد العامري ان “للبعد السياسي تأثيرا مهما فتشكل النخبة العلمية في اي بلد النواة السياسية والعلمية الرئيسية لما لها من دور ومكانة وتأثير مباشر على الحياة والاحداث السياسية والاقتصادية – الاجتماعية والثقافية ، ويعود سبب هذا الدور لما تملكه هذه الكوادر العلمية من وعي ونضج سياسي ومن معرفة علمية وهذا ما تخشاه بعض الانظمة في البلدان النامية ومنها البلدان العربية”.
الدكتور غانم جياد (طبيب) قال :” فيما مضى كانت العقول الجامعية تقاس باطروحاتها القوية واكتشافها النظريات الحديثة”. مضيفا “الان قلة قليلة من الاساتذة لديهم تلك الاطروحات ولكنهم يخشون على حياتهم او باسوأ الاحوال الانزال في السلم الوظيفي او المنصب او اعلان الحرب عليه من قبل بعض الذين يضمرون لهم الضغينة والحسد”.ويروي جياد حوادث عديدة ماحصل مع طاقات جامعية تم اهانتها بطرق عديدة حتى اجبروا على الهجرة للنجاة بعلمهم وعقولهم.ويشير الى ان”احد الاساتذة قام بنفي روايات تاريخية ببحث له وتم طرحه الا انه سرعان ما تنازل عن رايه وقدم استقالته وهرب من العراق الى احدى الدول الاوربية”.مبيناً ان”الكثير من الطاقات العلمية الجامعية المهاجرة لا ترغب بالعودة لاسباب سياسية واقتصادية وعلمية”.ويوضح جياد الذي خرج من العراق عام 2007 الى احدى الدول الاوربية بالقول” قدم لي احد الطلبة بحثاً مسروقاً من احد مواقع الانترنيت بالحرف الواحد ، فاخبرت الطالب ان البحث مسروق واني لن اوافق عليه ، فما كان من الطالب ان هددني عشائريا ان انا افشيت السر وقال لي بانه متفق مع باقي الاساتذة حول النجاح ، وحين رفضت تم عمل سيناريو عشائري ودفعت مبلغ 15 مليون دينار له ولعشيرته ومن يومها قدمت استقالتي ورحلت خارج العراق”.اما الدكتور خالد محمد(استاذ جامعة) قال :” القضية صعبة والاسباب عديدة وابرزها ان لم تكن مع احد الاحزاب فلن تصل الى ماتطمح اليه ، لان الحزب هو من يجعلك تعتلي منصة العلم البارزة والمكانة المرموقة مادمت تقدم الولاء والطاعة لهذا الحزب او ذاك”.ويشير الى ان”بعض رؤساء الجامعات لا يمتلكون مؤهلات علمية ، ولكن احزابهم هي من منحتهم المناصب”.مضيفاً ان”الوزارة خاضعة للحزب الذي يمتلكها ومادامت تتنقل من حزب لاخر فاقرأ السلام على العملية التربوية الجامعية وعلى العقول العراقية الف سلام”.ويضيف ان ” بعض الاساتذة مازالوا دون المستوى فالضعف في الاسس الاولى”.مؤكداً ان”الدولة التي تعتمد على الولاء الحزبي في سياستها التعليمية حتما ستغرق في الظلام وستدفع بالعقول العراقية الجامعية بالهجرة لان تلك العقول وجدت في اماكن اخرى جنة الله في ارضه لما تتمتع به من مكانة واحترام”.