في آخر تقرير صحفي مضحك ومبكي نشرته وكالة الأنباء الفرنسية من بغداد قالت إن المطاف ينتهي بالمتورطين العراقيين بقضايا فساد إما الى هاربين من العدالة إلى خارج البلاد بجيوب متخمة بالمال، أو إلى خارجين من وراء القضبان بموجب قرار العفو الذي أصدرته نفس السلطة التي تعهدت بالانتصار على الفساد، كما انتصرت على الدواعش.
وقال أحد السياسيين ساخرًا “إن المسؤول الذي يسرق مبلغا أقل من 60 مليون دولار، يُنظر إليه بأنه نزيه”.
ويقول عضو لجنة النزاهة في البرلمان، “إن هناك أكثر من (خمسة آلاف) عقد وهمي، وإن كمية الأموال التي أهدرت في مشاريع بناء وبنى تحتية على الورق بلغت 228 مليار دولار”.
ويرى خبراء أن هذا الفساد الهائل يفسر النقص الهائل في الخدمات، وتدهور البنى التحتية، وتدهور التنمية الصناعية والزراعية.
وعلى الرغم من الموازنات الانفجارية التي تحققت من بيع النفط، فلا يزال العراق يستورد الكهرباء والمنتجات النفطية، علما بأنه ثاني بلد منتج للنفط في منظمة أوبك.
وباتت البلاد خالية بشكل شبه كامل من مشاريع الصناعة والزراعة، وتعتمد بالكامل تقريبا على الاستيراد، وهو ما يعتبره مراقبون نتيجة حتمية لاستشراء الفساد.
ويوضح المتحدث باسم السلطة القضائية أن “هناك فاسدين أدينوا بقرارات قضائية وصدرت بحقهم أحكام عقابية وفق القانون، ولكن شملهم قانون العفو العام الذي شرعه مجلس النواب”.
ويرى مصدر قضائي أن “التشريع غير منصف، فالذي سرق مليارين، على سبيل المثال، قبل عشر سنوات، ثم أصبح لديه الآن عشرون ملياراً، فإنه يُعيد المليارين إلى السلطة، ويغادر السجن، وكان الله يحب المحسنين”.
والحقيقة أن تقرير وكالة الأنباء الفرنسية لم يُلمَّ بكل جوانب المشكلة في العراق. فالوضع الذي قام فيه، على الأقل منذ اليوم الثامن والعشرين من حزيران 2004 الذي شهد مسرحية نقل السيادة من بول بريمر إلى وزارة مجلس الحكم المشؤوم برئاسة أياد علاوي، لم يقم، كما قام غيره من أنظمة سياسية في دول مشابهة أخرى، على أسسٍ واضحة يمكن فرزها والتعرف على طبيعتها وتصنيفها. إنه شكل جديد مبتكر ينفرد به العراق من بين دول الجوار والمنطقة والعالم. نظام ديكتاتوري ديمقراطي، ديني علماني، عسكري مدني، جمهوري ملكي، رأسمالي اشتراكي، وطني وعميل في آنٍ واحد. والدولة فيه إقطاعياتٌ متنافرة، وجزر شبه مستقلة، وجمهوريات مسورة ومسيجة يصعب اختراق أسلاكها الشائكة وجدرانها الكونكوريتية الشاهقة. والحكومة فيه، هي الأخرى، حكومات وشلل وامبراطوريات موزعة ومسجلة عقاريا باسم كل زعيم من زعماء التجمعات والتيارات والمليشيات المتآخية المتحاربة.
باختصار، إنه شراكة مصالحية اختلاسية بين مجموعة من اللصوص الصغار الذين نصبهم اثنان من اللصوص الكبار. الأول (الأمريكي) لملمهم من أزقة السيدة زينب في دمشق، ومن مقاهي لندن و عمان والرياض وطهران وقم، وجعل منهم رؤساء ووزراء ونوابا وسفراء ومدراء وأصحاب مليشيات ورؤساء مجالس وزعماء أحزاب وائتلافات مفتعلة ومختلقة، والثاني (الإيراني) تولاهم بالعطف والرعاية والحماية، شيعة وسنة، عربا وكوردا، مسلمين ومسيحيين.
وتعالوا نتحاسب. من الذي جاء بعد أياد علاوي 2005؟. دققوا معي وتأملوا الوجوه التي تم التقاطها لخلافته، على طريقة (تريد أرنب خذ أرنب، تريد غزال خذ أرنب). يعني أن نصيب العراقيين طائفي بدل طائفي، وحرامي بدل حرامي، ومزور شهادات بدل مزور شهادات، ومنافق بدل منافق، وديكتاتور بدل ديكتاتور، ومتخلف بدل متخلف، وأمي بدل أمي، وأزعر شلاتي بدل أزعر شلاتي.
ولا نحتاج إلى دليل. فنوري المالكي، وهو اللاعب الأقوى على الساحة، أعلن بعظمة لسانه أنه يملك ملفات فسادٍ خطيرةً عديدة عن كل واحد منهم، وسيعلنها إذا أضطر لذلك. يعني أنه لن يعلنها لوجه الله والوطن والنزاهة والشرف والأمانة، ولكن فقط إذا احتاج إليها لحماية نفسه وولده وابنته وأصهاره وأبناء إخوته من كل حساب وكتاب.
ثم خرج بعده حرامي آخر على شاشات التلفزيون ليقول بالقلم العريض: “إننا جميعا، سواء من كان منا رئيسا أو وزيرا أو نائبا أو سفيرا أو مديرا، فاسدون، ومرتشون، ومتخابرون مع مخابرات وحكومات أجنبية، لا أستثني أحدا”.
وهنا يحين موعد السؤال الموجه إلى المواطنين العراقيين الساكتين عن (الملالي الوطنيين) وفاءً لوصية (الملالي الإيرانيين)، وجهادا من أجل استكمال ضم العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وفلسطين إلى أملاك الولي الفقيه تمهيدا وتسهيلا لولادة دولة الإمام الغائب، فنقول:
إذا كنتم انتخبتم، وسوف تنتخبون هؤلاء، حتى وأنتم ترون وتسمعون وتلمسون أنهم مَن اختلس أموالكم وغذاءكم ودواءكم، وأفسد هواءكم وماءكم، فلماذا لا تصدقون جماهير المدن الإيرانية الثائرة التي هتفت بأن حكامها، وهم أولياءُ أمور حكامكم العراقيين، لصوصٌ وكذابون ومزورون؟؟
ثم، لماذا لا تفعلون بملاليكم ما فعله المتظاهرون الإيرانيون بملاليهم في مشهد وطهران وقم ومدن إيرانية عديدة أخرى؟
ألم تشاهدوهم على شاشات الفضائيات ومواقع التواصل الإجتماعي حين داهمهم جواسيس الباسيج والحرس الثوري بالعصي والهراوات والمسدسات كيف هجموا عليهم، ونزعوا سلاحهم جميعا، وأشبعوهم ضربا ورفسا، حتى جعلوهم كالعصف المأكول؟؟. أليس لكم بإيران وبالإيرانيين أسوةٌ حسنة؟؟.