ماجد احمد السامرائي
إذا كان بوش قدم العراق لإيران على طبق من ذهب، فأوباما هو الحالم بالإنجاز الذي يعتقد أنه سيخلد اسمه بعقد الصفقة التاريخية لمقايضة إيران بالعراق.
سبق الرئيس الأميركي جورج بوش خلفه باراك أوباما في تدمير العراق بالاحتلال، وسلّمه إلى أوباما الذي ربح السلطة وفق معارضته لاحتلال هذا البلد، لكنه منذ توليه الحكم عام 2009 وإلى حد اليوم حوله إلى واحة للفوضى والفساد والتشظي الطائفي، ودعم حكومات الفساد، في إستراتيجية يلفّها الغموض، ترتهن تارة إلى رغبات اليمين القاضية بتنحية العرب السنة من أي دور في المشهد السياسي، وتارة إلى مفاهيمه الغامضة في التعاطي مع العراق لصالح إيران الباحثة عن مجدها التاريخي، وفق مقايضة يدفع ثمنها العراقيون حاضرهم ومستقبلهم، غير مُكترث بالصداقات الإستراتيجية الأميركية مع أهل المنطقة.
بل إنه دعا دولها في مقابلة أجرتها معه مجلة بلومبيرغ نيوز قائلا “على شركاء الولايات المتحدة من السنة في الشرق الأوسط قبول التغيير المقبل في علاقة الولايات المتحدة بإيران”، ولهذا لا يستغرب المراقب سلسلة مواقفه في غض الطرف والتأييد الضمني لبرنامج التمدد الإيراني في العراق ووسط المنطقة العربية وخليجها وفق نظرية ولاية الفقيه. هاجس أوباما الوحيد تحقيق إنجازه التاريخي (الاتفاق النووي) رغم ما يثار حوله من مخاوف داخل الأوساط الأميركية. في حين يحذّر دول الخليج والسعودية من سعيها لامتلاك القوة النووية لأن ذلك وفق ما صرّح به سيؤدي إلى توتر العلاقة مع أميركا. إنه يحاول تغليف سياسته الانبطاحية تجاه طهران بالنظرية القديمة “استدراج الخصم حيث يتم استدراج المجرم وجعله رجل شرطة لتهدئة الأمور”، ويعلن ذلك صراحة حيث قال في فبراير الماضي “عندما ننظر إلى السلوك الإيراني سوف نجد إن للإيرانيين إستراتيجية وليسوا متهورين، يملكون رؤية عالمية، ينظرون إلى مصالحهم ويستجيبون لعوامل التكلفة والفائدة، هذا لا يعني أن إيران ليست دولة ثيوقراطية دينية وتتبنى كل الأفكار التي أعتبرها بشعة لكن إيران ليست كوريا الشمالية، إيران دولة كبيرة قوية ترى نفسها لاعبا مهما على المسرح العالمي، لا أظن انها تملك رغبة انتحارية بل يمكنها الاستجابة للحوافز”، متناسيا ما ستحصل عليه إيران بعد الإفراج عن مبلغ 150 مليار دولار، وهل أن استدراج الخصم وفق نظريته هذه سيجعل إيران تتخلى عن مشروعها التوسعي؟ وماذا ستفعل بحلفائها الذين جنّدتهم لصالح مشروعها؟
عقدة أوباما هي القوى السنية المتطرفة في العراق، ويحاول تسويق ذلك للرأي العام الأميركي بأنه يقود حملة عالمية ضد الإرهاب “السني”، وبأن إيران تقف إلى جانبه، لكنه يتجاهل دورها الطائفي في العراق، بل إنه ينسق معها في ما يسميه الحرب على داعش، حتى إنه يأمر قواته في قاعدة الأسد في الأنبار بالتنسيق مع جحافل الحشد الشعبي الموجودة داخل تلك القاعدة، مع ما يعرفه بأن غالبيتها خصوصا “سرايا السلام” تناصب قواته العداء. ويتجاهل بأن الإرهاب بعد الغزو الأميركي أصبح مرتبطا بالطائفية التي ترتبط بها مصالح دول وأحزاب وميليشيات.
وهناك رضى من أوباما على سياسات طائفية جائرة من حكومة بغداد وبعض القوى الشيعية المتطرفة، التي تعتبر أن الهوية العربية السنية لسكان الرمادي مصدر تهديد لها، ولهذا تشترط الكفيل لدخول بغداد، في تحد للدستور ونزع للمواطنة بدوافع مذهبية. أما في يوميات الحرب على داعش في العراق، فلم ينجح أوباما في سياسته “تجنب الأخطاء”، فمثلا رفض مشروع تسليح العشائر السنية والأكراد الذي أقره الكونغرس. مرة يقول بأنه سوف يرسل قوات تمكن العراقيين من القضاء على داعش، ومن ثم يتراجع ويقول “لا نريدها حربا برية”، وحين وصف وزير دفاعه آشتون كارتر القوات العراقية المنهزمة في الرمادي بأنها لا تمتلك الإرادة القتالية، يصف أوباما الموقف بالتراجع التكتيكي. إيران تعلم بأن أوباما يعمل لخدمة مشروعها في العراق والمنطقة، وأنه يشتغل وحده وسط أمواج المعارضين داخل حزبه والحزب الجمهوري. إذا كان بوش قدم العراق لإيران على طبق من ذهب، فأوباما هو الحالم بالإنجاز الذي يعتقد بأنه سيخلد اسمه بعقد الصفقة لمقايضة إيران بالعراق.