بعد صبر طويل أخرجت البطالة والفقر أهالي مدينة مشهد الإيرانية في مظاهرات حاشدة هاتفين مرددين “الموت لروحاني والموت للديكتاتور”. ومعروف أن صفة (الديكتاتور) تعني المرشد الأعلى، علي خامنئي، بشحمه ولحمه.
وتؤكد تقارير صحفية أن المظاهرات انتقلت من (مشهد) عاصمة محافظة “خراسان رضوي” والتي تعد ثاني مدينة دينية بعد قم وتضم مرقد علي بن موسى الرضا ثامن أئمة الشيعة، إلى “نيسابور” ثاني أكبر مدينة في المحافظة.
وحسب وسائل إعلام إيرانية، أصيب عدد من المحتجين في اشتباكات مع قوات مكافحة الشغب.
كما اندلعت مظاهرات أخرى أوائل هذا الأسبوع في أصفهان وسط إيران احتجاجاً على البطالة.
وحتى لو كانت هذه التظاهرات محدودة، أو حتى لو تمكن النظام من إجهاضها ومنع توسعها، فإنها لابد أن تعود وتنطلق من جديد. فالجائع لن يصبر على جوعه طويلا، والمظلوم لن يسكت على ظلمه كثيرا. وهي، في كل أحوالها، استفتاءٌ شعبي عفوي ليس على سياسات النظام فقط بل على النظام نفسه، دون ريب.
والأهم والأخطر في هذه التظاهرات أن المتظاهرين لخصوا أسباب غضبهم بأن سياسات النظام الخارجية التي تقوم على إنفاق المال والرجال من أجل احتلال دول عديدة في المنطقة، وإخضاع أخرى تحت هيمنته في العالم، هي التي جرت عليهم سياسات النظام الداخية الفاشلة التي أدت إلى خنق المواطن اقتصاديا. وقد اعترف أكثر من مسؤول كبير في النظام نفسه بأن ما يقارب خمسة وعشرين مليونا من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر. وكان هتاف المتظاهرين: “انسحبوا من سوريا وفكروا بنا” و”لا للبنان ولا لغزة، ونعم نعم لإيران” أكثر ما يزعج النظام ويخيفه.
ويعتقد كثيرون من الإيرانيين بأن وضعهم الاقتصادي لم يتحسن، بسبب سوء الإدارة والفساد، مع بقاء العقوبات الدولية الخانقة، رغم تراجع النظام عن مشروعه النووي، بعد كل ما كلف البلاد والعباد. ويقول مركز الإحصاءات الإيراني إن نسبة البطالة بلغت 12.4 في المئة خلال السنة المالية الجارية.
والآن تعالوا نتحاسب. كم خسر الشعب الإيراني، وكم يخسر اليوم، وكم سيخسر غدا، من مال ورجال، في ظل نظام أقام وجوده كله، ويريد أن يجبر الشعب الإيراني بأجمعه، على التمسك بمنطلقات توسعية غير واقعية، وغير قابلة للتطبيق، ولا التحقيق؟.
والسؤال الثاني، إلى أي مدى يمكن أن يصبر الإيرانيون على الفقر والظلم والقهر والقمع في الداخل، وعلى موت أبنائهم وهدر أموالهم في الخارج، في انتظار أن ينتهي النظام من تركيع شعوب الدول العربية العديدة التي يحاول احتلالها، ليعيد إليهم أبناءهم إليهم سالمين، وليفتح لهم خزائن المستعمرات الجديدة وأسواقها، مثلما وعد ويَعد من زمن طويل، خصوصا وهو يرى ويسمع ويلمس خيبة أحلام النظام، وتعثر مشاريعه الاحتلالية، وعنفَ الصراع الدامي المستمر بين جيوش الولي الفقيه ومليشيات عملائه ووكلائه، وبين مجتمعاتٍ تدافع عن حريتها وكرامتها، وتسعى لدحر غُزاتها بكل ثبات وصمود وشجاعة وإباء؟.
وعلى قدْر توسع دائرة انتشار جيوش (الديكتاتور) الإيراني ومليشياته تتوسع وتتضاعف أعداد الدول والشعوب التي تتآلف وتتجمع وتتحد من أجل استنزافه وإنهاكه، وإسقاطه في النهاية.
يضاف إلى ذلك كله أن العالم المتحضر الذي رفض إسلام الخليفة البغدادي المسلح بالسيوف والخناجر والمفخخات، يرفض أيضا، وربما أكثر، إسلام الخميني الذي لا يقل تخلفا وتطرفا وعدوانية وهمجية عن تنظيم الدولة الإسلامية الكريه.
والسؤال المهم، هل صحيح أن الدين الإسلامي، كما رآه الخميني والخليفة البغدادي دين قتل وتآمر واغتيال وتهريب ورشوة وفساد؟
خلاصة الكلام أن العصر يتجه نحو ترسيخ نظام الدولة المدنية الديمقراطية التي تُحرر المجتمع من سطوة العقيدة الواحدة، أو الحزب الواحد، أو الطائفة الواحدة. ونظام الخميني، كداعش، يصر على وقف هذه المسيرة، ومنع انتصارها وانتشارها.
وفي المجتمع الإيراني، رغم كل محاولات النظام اليائسة، تتجمع رياح الفكر الإنساني الديمقراطي الجديد، وخاصة في الأجيال الجديدة من الإيرانيين، ولابد لها من أن تهب ذات يوم لتعصف بالفكر المظلم الذي لا يريد مغادرة كهوف العصور الماضية.
ولعل أخطر ثلاثة تحديات تواجه الإرث الخميني المتشدد، اليوم، وأيٌ منها يهدد بقاءه، هي فقرُ ملايين الإيرانيين وتفشي الفساد والظلم والتخلف داخل إيران ذاتها، وصمودُ الشعوب والحكومات العربية وأجنبية التي تعرضت وتتعرض لغزو النظام الإيراني وإرهابه، وصحوة شباب الإنترنيت الإيرانيين المقبلة.
إن هذا العصر هو عصر التمرد على التخلف المفروض بالقوة على الشعوب، وموسم الكفر بتخاريف العجائز المُحنطة.