إشكالية الفنان المغترب بين القبول و الرفض

إشكالية الفنان المغترب بين القبول و الرفض
آخر تحديث:

عبد الامير الخطيب
حين لا يطاق الواقع، يهرب منه الإنسان الإكثر حسا والأكثر حبا للحياة الى مجاهل قد لا يعرفها حتى الراسخون في العلم. ربما تنعكس هذه المقولة على أعمال الفنانين العراقيين المغتربين دون غيرهم، فيلج اكثرهم منطقة المتخيل على انها واقع معاش. هذا اللجوء الى المتخيل المعاش يعطي زخما لتبني منطقة مجردة مغايرة ربما لا يفهما اغلب من يتذوق ذلك النوع من الأعمال البعيدة عن الواقع ومشاكله اليومية التي تجابه الفنان “الأكثر حسا” من بين الناس الآخرين.الإغتراب بحد ذاته لا يعدو كونه بعدا  إقصائياً عن الواقع. أو بعد (فيزيائي) و عضوي،  بالوقت الذي تبقى فيه (الذاكره) تدور في ذات الدوامة التي بين ماض عاشه الإنسان بأسسه و قواعده الراسخة، وبين مستقبل يبحث عنه و لا يجده، ليبقى الفنان المغترب بعيدا كل البعد أو مقصيا عن الواقع الذي يعيشه على ارض الإغتراب ” البلد المضيف” و بين مشروعه الجمالي و الإبداعي الفكري المتحرك الذي يود ان يقتحم به الواقع الذي يحيا فيه، والذي لا يلبث أن يصاب بالصدمة او بالتحديد بهوة تفصل ما بين حياته الشخصية و ما يحياه من يوميات اجتماعية مملة ومتعبة.
   هو غالبا ما تقوده إما الى التقوقع في خطاب قديم بعيد كل البعد عن سيرورة الواقع الآني المعاش. او ربما الى أبعد من هذا وليقوده ضياعه بالتشبث في معرفة يتصورها مطلقة لا يرتضي ان يناقشها مع الآخرين. متوهما كونه الفنان الأكثر معاصرة من بين اقرانه الفنانين في عموم ارجاء المعمورة. لينغمس في العيش في المتخيل. فتراه يذهب الى متاحف الفن الحديث و المعاصر  والكاليريهات المتعددة في المدينة التي يسكن فيها، وفي عموم بلدان الاغتراب. لا يعجبه العجب و لا يطيق الفن المغاير لتصوراته التي تربى أو تتلمذ عليها.  كثيرا ما يساعد الواقع الاغترابي على هذا التقوقع ، بالتأكيد يؤدي رفض المجتمع “المضيف” للآخر الى اجهاد وضغط نفسي كبير للانسان المغترب بشكل عام. 
لكني لا اعطي أدنى تبرير  للفنان صاحب المشروع الفكري الجمالي الذي يحاول التغير، لمجرد كونه يتوقع الرفض من الصغير و الكبير من الطرف الآخر، فبالإصرار و الثبات يحقق صاحب المشروع مشروعه. لكن يبقى السؤال الأكثر صرامة: هل هناك فنانون مغتربون أصحاب مشاريع من هذا النوع الذي تحدثت عنه؟ نعم هناك، رغم كونهم قليلين على أية حال، بعضهم وفق في مشروعه و البعض الآخر لم يوفق لضعف في مرونة الاداء او لكون مشاريعهم جوبهت بالرفض من بعض الحكومات اليمينية المتطرفة التي تعمل ضد توجهات مجتمع متعدد الأعراق و الثقافات، بما ان الفنان المغترب مختلف ثقافيا عن ثقافة البلد المضيف فإنه غالبا ما يركن في زاوية ” متعددة الاعراق و الثقافات” أو أنه يجبر على ذلك و لنا في ذلك مثلا في بعض الفنانين الذين وصلوا وتواصلوا مع ثقافة البلد المضيف إسوة حسنة، حيث عمل معظمهم على ثيمات مثل الحرب في الشرق الأوسط و الإسلام السياسي و باقي الأفكار الرائجة و المتهيئة الى خدمة الآخر من “ابناء البلد  الأصليين”.أما الغالبية الساحقة من الفنانين المغتربين من العرب و الجنسيات الأخرى فبقوا مرفوضين في البلد المضيف ، وليس لديهم ادنى أي تفاعل او تكافؤ و مجتمعات الاغتراب، كما ليس بإمكانهم العيش كفنانين محترفين و ليس بإمكانهم الولوج الى السوق الفني العريض، او على أقل تقدير قبولهم كأعضاء في نقابات و جمعيات الفنانين في البلدان المضيفة للأسف!.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *