روبرت شيبرد
مفاجئة، فلاشية، مصغرة، قصيرة قصيرة، مايكروبية الحجم، خيال مصغر. . . حشرة قزحية الألوان..هل القصة القصيرة جدا نهضة أو أعادة ابتكار؟ وهل يحددها الطول، وماذا تتطلب القصة؟ قد يسمي البعض هذه القصص «فلاش»، ولكن غريس بيلي يطلق تحذيرا ينص على انها: قصص قصيرة جدا «ينبغي أن تقرأ مثل قصيدة، اي ببطء.»
القصة القصيرة جدا لديها العديد من الأسماء التي تختلف بناءا على طول القصة وحسب البلد. في الولايات المتحدة، فان الاسم الأكثر شعبية هو (فلاش)، و في أمريكا اللاتينية، تسمى بالمايكرو (الصغرى). عموما فأن طول القصة القصيرة جدا يكون عشر مرات أقصر من طول القصة التقليدية، ولكن الأرقام لا تقول لنا كل شيء. أنا أفضل الاقوال المجازية، مثل قول لويزا فالنزويلا:
عادة مااقارن الرواية بالثدييات، لتكن برية كما النمر أو مروضة كما البقرة. القصة القصيرة إشبه بالطيور أو الأسماك. القصة الصغيرة جدا(المايكرو) اشبه بحشرة (القزحية الألوان في أفضل الحالات).
واصلت شعبية هذه «الحشرات القزحية الألوان» نموها في جميع أنحاء العالم، وخاصة منذ الثمانينات في الولايات المتحدة، وقد بيعت مجاميع من مختاراتها الأدبية والمجموعات، والكتب القصصية الصغيرة منها بما يبلغ حوالي مليون نسخة، ومنها الكتب الاكثر مبيعا لجون غريشام،. بغض النظر عن ذلك، لوحظ بأن ممثلي التلفزيون والسينما قاموا بقراءتها للجماهير في برودواي، حيث سجلت لغرض بثها في وقت لاحق ضمن القصص القصيرة المختارة في الإذاعة العامة الوطنية. وقد عقدت مؤتمرات عالمية للقصة المصغرة في سويسرا، إسبانيا والأرجنتين وبلدان أخرى. وفي بريطانيا العظمى، خصص يوما لقصص الفلاش الوطني (كما ورد في صحيفة الغارديان)، كما حصل ايضا في نيوزيلندا.
يبدو ان القلة يعرفون بالضبط لماذا أصبحت هذه القصص الصغيرة شعبية، أو حتى ما هي عليه. اهي بدعة خاصة بالإنترنت؟ هل هي قصيرة لأن التلفزيون وتويتر قد قلصا مدة الاهتمام لدينا؟ جوليان غوف الروائي الأيرلندي الفائز بالجوائز والذي يعيش في ألمانيا، يعتقد أنها قد تكون أمرا جيدا، فرغم انه فاز بافضل رواية اوروبية للعام 2010 (الذي شاركت فيه القصة قصيرة جدا)، فقد ابدى ملاحظة:
«جيلي، والأجيال الأصغر تحصل على المعلومات ليس عبر وحدات طويلة ومتماسكة، ومكتفية ذاتيا (كفيلم أو ألبوم أو رواية)، ولكن بكميات صغيرة، ومع نغمات مختلفة إلى حد كبير. (كالتنقل بين القنوات و تصفح الإنترنت بينما نستخدم الايباد الخاص بنا لغرض الاستماع الى احد اغانينا عشوائيا). وهذا يغير الطريقة التي نقرأ بها الرواية، وبالتالي يجب أن تتغير الطريقة التي نكتبه بها. هذه ليست كارثة بل هي فرصة. نحن أحرار لنفعل أشياء جديدة لم يكن من الممكن فهمها قبل الآن. القصة التقليدية (سردت عشرة آلاف مرة) أصبحت تعاني من إصابات الإجهاد المتكررة. كما استجاب التلفزيون وشبكة الإنترنت لهذه الأزمة دون أن يفقدا جمهورهما.
وكانت نصيحة غوف للكتاب اليافعين: «اسرقوا من ذا سمبسونز لا هنري جيمس».
حتى لو كانت الأعمال القصيرة جدا تمثل حرية للكتاب، معظمنا لا يزال يعادل «الخيال الأدبي» مع الرواية (بالتأكيد ليس عائلة سمبسون)، هذا ربما يكون هذا احد الاسباب التي جعلت النقاد يولون اهتماما قليلا جدا بالأعمال القصيرة مثل الفلاش أو الخيال المفاجئ، ولكن إذا قمنا بألقاء نظرة طويلة ستبرز صورة مختلفة. كبار الكتاب كانوا يقومون بكتابة القصص القصيرة جدا منذ فترة طويلة قبل الرواية. كتب بترونيوس قصصا قصيرة في روما القديمة، وماري دي فرانس كتبتها في العصور الوسطى. هذا صحيح، منذ زمن ديفو (على الأقل في العوالم الناطقة باللغة الإنجليزية)، الرواية مثلت التجسيد للواقع السردي. ولكن في القرن العشرين، العديد من الكتاب، بما في ذلك بورجيز، كورتازار، والسر، كافكا، بوزاتي، كالفينو، دينيسين، وكاواباتا، اختاروا العودة إلى الأعمال القصيرة جدا. هل شكلوا عهد نهضة هادئ للقصة القصيرة جدا التي هي الآن و بفضل الانتشار الواسع للإنترنت، مزدهرة من غرينلاند الى أندونيسيا مع أنواعها المصغرة ، المايكروبية، المفاجئة والفلاشات؟
نعم ولا.. فلفترة طويلة في الولايات المتحدة، كان التقليد الوحيد هو نوع من القصة ذات الصفحة الواحدة التي تنشرها كل المجلات الاستهلاكية مثل لايديز هوم جورنال. «ففي دراسة أكاديمية في جامعة كاليفورنيا، اجريت بحوث حول كيفية نشر هذه المجلة لنفس القصة ذات الصفحة الواحدة في كل أصدار لها على مدى السنوات الخمسين الماضية. التفاصيل والمحيط والقصة لم تتعرض للتغيير، ولكنها كانت دائما تلك الحبكة نفسها، الحبكة ذات النهاية السعيدة في نهاية المطاف». وقد قالت جويس كارول أوتس: «الشكل الإيقاعي للقصة قصيرة في كثير من الأحيان يكون مزاجه أقرب إلى الشعر من النثر التقليدي، مع أضافة العامل الدرامي واستحضار العاطفة».
ولكن بحلول عام 1985، عندما بدأت مع جيمس توماس، الذي كان يجمع القصص القصيرة جدا لمجموعة من المختارات الأدبية و الخيال المفاجئ و الأعمال التجريبية، قبلها كانت تنشر في المجلات الأدبية وعلى مدى عشرة سنوات. كانت ذات صيغة غالبا ما تثير الدهشة، دائما صعبة، تستخدم بعض الواقعية الروائية ولكن على نطاق مختلف تماما. ارتفعت بعضها إلى ماوراء القص مثل العمل الكوميدي الدافىء لغرايسي بيلي (أمي) الذي يفتتح بقول الراوية كيف انها تريد دائما اختتام قصة بقولها:»ثم ماتت»، وبطريقة ما تفاجئنا بعد صفحة، من خلال القيام بذلك . تسارعت الآخرين بعبثية مثل قصة روبرت فوكس المضيئة (الخرافة)، عن شاب في مترو الأنفاق يشعر بالسعادة لذهابه إلى أول يوم له في العمل في المدينة فيقع في حب امرأة شابة جميلة تجلس قبالته و يتم عقد قرانهما على يد سائق القطار قبل المحطة التالية. وقد عاد البعض الآخر من المؤلفين إلى الوراء، مثل هانا فوسكولي في عملها المؤثر(تيارات)، التي تسرد ليس فقط ذكريات للماضي (بل تعود إلى الوقت الحاضر) ولكن في فقرات قصيرة التي تسافر في رحلة بلا هوادة أبعد وأبعد في الماضي.
هذه القصص لم تكن عصر لنهضة الأشكال القديمة وأنما كانت محاولات لإعادة اختراع الخيال.
كثير من الكتاب، عندما سألناهم حول هذه القصص الجديدة، تكهنوا بناءا على علاقتها بالأنواع الأخرى. واضافت كارول جويس اوتس: ان «الشكل الإيقاعي للقصة القصيرة غالبا ما يكون أقرب إلى الشعر منه الى النثر التقليدي، في اشد المساحات صغرا، لا يمكن إلا اعتماد الخبرة «.
آخرون، مثل راسيل بانك، حاولوا الوصول الى تعريف الشكل:
انها ذات كيان مستقل، تختلف في جوهرها عن القصة القصيرة فهي اشبه بالسوناتة اوبالغزال فلها تحركات سريعة في اتجاهين متعاكسين، وتحركاتها جدلية، ربما، ومن ثم تقفز الى حل جذري يترك القارئ متحمسا بطريقة خاصة مرضية. الحاجة للشكل كما يبدو لي هي نفس الحاجة التي خلقت كيننغ النرويجي، زن كونز، الحكايات الصوفية، حيث اللغة والميتافيزيقيا تصارع لتتمسك مثل المصارعين اليونانين، وهي تختلف عن الحاجة التي دعت لابتكار الرواية أو القصة القصيرة، حيث اللغة والعلوم الاجتماعية تنام بسلام داخل أحدها الاخر مثل الملاعق البرجوازية.