فلاح المشعل
ارتبط مفهوم الإنقلاب بالصراع السياسي للإستحواذ على السلطة ، وفرض شروط الإنتصار على الآخر بعد الإطاحة به ، تلك عملية مستلزماتها حفنة رصاص وإجتماعات سرية تسبق الإنقلاب وبعض المتعاونين ثم بيان يبث من الإذاعة .
شاعت الإنقلابات في عموم الأنظمة الثورية والعسكرتارية التي تتحكم فيها قوة السلاح مصحوبة بدهاء التآمر وطموح النفاذ للحكم بأقرب الطرق وأقلها تكلّفة ، ماجعل ذاكرة الإنقلابات تؤشر لمراحل التغيير في وجوه وأسماء الرؤساء، دون المساس بالبنية السياسية للحكم أو تغيير فلسفة السلطة ، أوحدوث تأثيرات إجتماعية وثقافية تذكر .
ثقافة الإنقلاب واشتغالاتها ومراميها وأدواتها ، أختلفت من صيغة الفريق العسكري الناشئ من رحم السلطة والمتطلع للسيطرة على مقاليدها، الى أحزاب معارضة مكللة بشعارات الحرية والديمقراطية والتغيير ، وعناوين لرجال فكر واساتذة جامعات عالمية وشخصيات ذات نفوذ مالي وإعلامي وعلاقات تجمع مابين المحرم والمباح ..!
إنقلابات تطوى معها المتوارث من تعاليم الوطنية ، تبرمج في دوائر المخابرات الدولية وتبيح للمحتل والعدو التقليدي وكل من هب ودب في بورصة البلدان والأرواح ، العبث بالأوطان وتشريد الملايين من أهلها وتدمير نسيجها الإجتماعي ، والتفريط بكل ثرواتها المادية والمعنوية ،في بانوراما إقتتال داخلي وسفك دماء يشطب آلاف السنين من تطور الحضارة والآدمية ، ويعيدنا لزمن التيه في عتمة غابات الموت القسري .
حركات واحزاب وتيارات وجبهات ،علمانية وإسلامية ويسارية، توسدت عبر تاريخ طويل ، معاني الوطنية والثورية وافكار الحرية ، وتعكزت على اسماء شخصيات سياسية وفكرية وثقافية لها صدى في تلك الأوساط ، صارت تطل بإنقلابات من نوافذ الغرف السرية ومطابخ الوجبات السريعة في دوائر رؤوس الأموال و(سويتات) فنادق الفايف ستار .
إنقلابات تظاهر بها ربيع الموت العربي وماتلاه من أحداث، تعد ترجمةلإنقلاب وظيفة الضمير، من حاسة لضبط إيقاع الأخلاق والعواطف والسلوك وترشيدها بموجب قوانين الأرض والسماء ، الى بوابة جحيم تنثال منها أبشع تقنيات القتل وتعاليم سقوط البشر وإرجاعهم الى ماقبل عصر “النايندرتال “.
إنقلاب ضمائر جعل الكثير من المفاهيم والأفكار تقدم معاني مغايرة لدلالتها في دساتير ثوار الألفية الثالثة، فالمحتل يصبح محررا ً،والإسلامي المنغلق بشيرا ً للحرية والديمقراطية ، بيع الأوطان يعد بطولة ومناسبة لتكريم الباعة بأرفع الأوسمة وأعلى المناصب ، احتراف السرقة والصفقات المشبوهة ونهب المال العام، يعطي للفاسدين وسام الكفاءة والإقامة الدائمة على كرسي السلطة .
تلك الإنقلابات صارت تشكل ملامح الحياة السياسية والإجتماعية في بلاد القهر والموت ، في شرق المبتلى بدهاقنة النصب والإحتيال الكوني ، مرة بعنوان الديمقراطية واخرى بذريعة التغيير وثالثة ترفل بشعارات الإسلام السياسي وصوت الطائفية الذي يزأر من شقوق الماضي السحيق بشهية مفتوحة للإنتقام .
بلاد تغفو على أرائك التخلف والجهل ، شعوب تصفق للقتلة، تنتخب الفاسدين والسفاحين ، ذلك إنقلاب آخر يحدث بالتزامن مع إنقلاب النخب “الثورية” و “الديمقراطية “
تصفيق لإسرائيل وامريكا وشيوخ البترودولار …!؟