إنها مدينة جلجامش

إنها مدينة جلجامش
آخر تحديث:

باقر صاحب

نتحدث كثيراً عن الصناعات الثقافية، بوصفها تدر أموالاً طائلة على الدخل القومي، ما بالك باستثمار آثار الوركاء ، التي تقع ضمن البقعة الجغرافية لمحافظة المثنى. تلك الآثار التي ضمتها اليونسكو إلى لائحة التراث العالمي العام 2016، ضمن مجموعة مواقع أثرية  فضلاً عن الأهوار بوصفها محميات طبيعية. قرار الضم هذا يستوجب التحرك الشامل لاستقطاب الاستثمار الأجنبي بإمكانياته المالية الضخمة  والتكنولوجية المتسارعة التطور في جعل كل تلك المضمومات قبلة الزوار من جميع أنحاء العالم . بما يمكننا من  وصفها بأنها ثروة ثقافية سياحية لا تنضب، إذا استثمرت بجدية محفزة بالحماس الوطني لإعادة إنتاج المجد التليد لبلاد وادي الرافدين.

منذ فترة نشرنا هنا مقالاً بعنوان ” تناص أزلي” خلصنا فيه إلى( أن كل الابتكارات العلمية والأعمال الأدبية والفنية التي تناولت استحالة  الفرار من الفناء  تتناص نسبياً مع ثيمة ملحمة جلجامش وعشبة خلوده المسروقة). فيما أشار تقرير نشرته العرب اللندنية العام 2005 إلى الوركاء وأهمية آثارها بالقول (جذب معرض في العاصمة الألمانية برلين عن مدينة الوركاء، أقدم مدينة كبيرة في تاريخ العالم، نحو ربع مليون زائر خلال ثلاثة أشهر. وأعلنت إدارة مجموعة المتاحف الحكومية في برلين أن المعرض الذي يسلط الضوء لأول مرة على الحياة اليومية للمدينة التي أنشئت في بلاد الرافدين قبل 5 آلاف عام لاقى صدى مدوياً).
تلك المعلومة المستفزة والباعثة على الألم لكل مواطن حقيقي، تعني أنهم معنيون بحضارتنا أكثر منا، بل إنهم يستثمرونها ثقافياً وسياحياً ومن ثم اقتصادياً، ونحن أصحاب الشأن في هذه الأثريات. قد يقال إن التقشف الحكومي يقف عائقاً أمام الاهتمام بالمواقع الأثرية وإنشاء مجمعات سياحية متكاملة هناك بالقرب من مواقعها، كي ينشط استقطاب البعثات التنقيبية أيضا وليس فقط السياح. الإيرادات المتراكمة  من السياحة الآثارية  تخفف آثار التقشف الملقاة على كاهل العراقيين.  قرأنا أن بعثة تنقيبية ألمانية قدمت العام الماضي 2017، وسارعت  الى البدء بأعمال تنقيب في الوركاء، وعملت على ثلاثة محاور؛ التنقيب والصيانة وعرض الآثار بشكل يجذب الزائرين. وتفاجأنا من أن النسبة المستكشفة من آثار الوركاء لم تتجاوز 5 بالمئة، والبقية مازالت مطمورة تحت الأرض، ولكن البعثة فرت من البلاد إثر تعرض أحد علمائها  لهجوم مسلح وإصابته بأربع رصاصات في مناطق مختلفة من جسده. 
إذن ضمان الأمن وتوفير المستلزمات السياحية والخدمية  ضرورتان، ينبغي أن تتكاتف الحكومتان الاتحادية والمحلية في محافظة المثنى على توفيرهما لأجل استخراج وإدامة  ثروة حضارية  لا تنضب، محافظة المثنى أكثر المحافظات فقراً في العراق ،بحاجة إلى مردوداتها لإغناء المحافظة اقتصادياً وتطويرها خدماتياً، كيف لا، وفيها تقع مدينة جلجامش، البطل الأسطوري لأقدم ملامح التاريخ.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *