حامد الدليمي
بالعودة الى الوراء وتحديدا الى فترة تشكيل الحكومة العراقية الحالية والمخاضات العسيرة التي مرت بها وما وازاها من إشكالات خيمت على الوضع السياسي والامني وقت ذاك.لاسيما محاولات السيد المالكي للحصول على الولاية الثالثة وسقوط عدة مدن عراقية بيد داعش والضغط الأمني على تخوم العاصمة بغداد. كل ذلك وغيره كان في إطار صراع بسط النفوذ ولي الأذرع بين ايران وأمريكا. ورغم بعض الإخفاقات الامريكية هنا وهناك. لكنها سجلت نجاحات ملحوظة في الوضع العراقي. فقد نجحت في استبعاد السيد المالكي من ولاية ثالثة والضغط على ايران والقوى التابعة لها. واستبعاد شخصيات محددة من المشاركة في الحكومة. ودق اسفين بين مرجعية النجف. ومثيلتها في قم.الامر الذي سيتضح اثره لاحقا. الولايات المتحدة نجحت في إطار التشكيلة السياسية الحاكمة في العراق ان تأتي بشخصيات تتسم بصفات تساعد في نجاح ودعم الدور الامريكي في العراق. فقد كانت الرغبة ان يأتي الدكتور برهم صالح على موقع رئاسة الجمهورية ليكون فاعلا وحاضرا في الأحداث السياسية وياخذ دوره بقوة واتزان يحقق الاستقرار بين المكونات. ويمارس دوره المهم في رعاية الدستور ويستغل الصلاحيات المتاحة له دستوريا وهي كثيرة. الا ان الضغط الإيراني على حزب الاتحاد الوطني. ( حزب جلال الطالباني)) اسهم بشكل فاعل في ان يكون السيد معصوم هو رئيس الجمهورية وهو شخصية مسنة تميل الى العزلة والانكفاء والغياب عن الحدث السياسي. مما أدى الى تحييد الموقع فعليا. اما في رئاسة البرلمان فكانت الأنظار تتوجه صوب ذلك الشاب السني الهادئ الدكتور سليم الجبوري. رغم انتمائه الاسلامي غير الواضح. ليكون خلفا لسلفه السني السيد النجيفي. الذي اتسمت ولايته بالمصادمة مع رئيس الوزراء آنذاك السيد المالكي. وفي رئاسة الوزراء فالامريكان قطعا لم يكونوا راغبين بولاية ثالثة للسيد المالكي رغم دعم ايران لذلك. وقيامها بعدة محاولات للضغط على الكتل الشيعية وصلت للتهديد في احيان كثيرة. وشكل مجيء السيد العبادي لمنصب رئاسة الوزراء انتصارا للسياسة الامريكية رغم انه لم يكن الخيار الأفضل أمريكا. .
ايران ومن منطلق الصراع على النفوذ كما أسلفنا بدأت بصفحة جديدة. من العمل على أضعاف الحكومة العراقية وإسقاط هيبة الدولة والقوى الأمنية التابعة لها وإنشاء منظومة موازية يتضح اثرها في الساحة العراقية يوما بعد اخر. .
السيدان العبادي والجبوري ورغم الضغوط التي تُمارس ضدهما من جبهات متعددة فلا زالا يمثلان صمام الأمان في الوضع العراقي المتفجر اصلا. وهما فعلا رسل سلام ولا يميلان الى تاجيج الصراع او التنكيل سياسيا ببعضهما البعض على حساب ارواح الناس. ولو كان غيرهما في موقعهما وفي هذه الظروف التي يمر بها العراق لاشتعلت المعارك في كل شارع وفي كل بيت. لكن حكمة الرجلين وطبيعتهما السلمية وابتعادهم عن التصادم. أدى الى استقرار الوضع نسبيا. رغم صعوبة الامور وتعقيداتها. لقد تلقى الرجلان ايضا بعض الضربات حتى من داخل احزابهم وكتلهم السياسية بسبب النفوذ الإيراني تمثلت بتقوية ودعم منافسيهم من الشيعة والسنة. كالمالكي وجهات مسلحة والجنيفي والمطلك واضطراب الأوضاع في ديالى مسقط راس السيد الجبوري ودائرته الانتخابية التي فاز عنها.
وفي كلا الحزبين الإسلاميين الدعوة والعراقي جرى استبعاد الرجلين من قيادة الحزبين ولنفس السبب الذي تمثل بتخوف ايران من تحويل مسار تلك الأحزاب باتجاه المخيم الامريكي. وفضلت ايران بقاء القيادات القديمة صاحبة الولاء المضمون لها في قيادة حزب الدعوة حيث اكتفى الحزب بإعادة الثقة بالسيد المالكي. لضمان ولاء الحزب وبقاءه تحت النفوذ الإيراني. اما في الاسلامي العراقي فان مصادر شيعية تحدثت عن رسائل إيرانية موجهة للحزب بإبعاد اي قيادة جديدة متمثلة بالدكتور الجبوري وتفضيل ايران لشخصيات قديمة صاحبة ولاء لها. وتحدثت نفس المصادر عن مداولات في بغداد مع ايرانيين وزيارة سرية لإيران جرى خلالها ترتيب بعض الامور وحملت رسائل طمأنة الى الجانب الإيراني ببقاء نفس السياسة رغم انعدام المكاسب. .في خليط من المصالح والأيدولوجيا. او احدهما على الأقل. ومهما يكن من الامر فان الحزبين فعلا اضاعا فرصة تاريخية لهما في ان يشكلا محورا بقيادات متقاربة ورؤية جديدة كان من الممكن ان تسهم بانقاذ الوضع العراقي المتأزم اصلا. وتحييد الدور الإيراني. وفي نفس الوقت كانت نتائج الانتخابات الداخلية في كلا الحزبين تمثل رسالة خاطئة وسلبية. للولايات المتحدة. التي بدورها دعمت الرجلين كثيرا. . فالإصلاحات الاخيرة والتي تمثلت باستبعاد خصوم الرجلين ومنافسيهم السياسيين. وتفرد العبادي والجبوري بقمة السلطة كانت رسالة دعم واضحة جدا لهما.اخطا الحزبان الإسلاميان في فهمها والاستفادة منها. ان كل ما جرى يثبت فعليا مدى النفوذ الإيراني في الأحزاب والكتل السياسية الشيعية والسنية. على حد سواء. وان الرجلين لازالا يمتلكان الفرصة في ان يكون لكل منهما حزب سياسي جديد يمارسان من خلاله رؤيتهما الإصلاحية لإنقاذ الوضع في بلدهما.بعيدا عن الايدلوجيا الحزبية التي لم تعد تلائم الوضع العراقي. وهي مهمة العراقيين اولا من أعضاء تلك الأحزاب والتيارات. والدول الداعمة لوضع أمن ومستقر في العراق