اتفاقية التجارة الحرة بين العراق والكويت…العراق إلى أين

اتفاقية التجارة الحرة بين العراق والكويت…العراق إلى أين
آخر تحديث:

 بقلم:نوري حسين نور الهاشمي

من الملاحظات التي لفتت انتباهي في اتفاقية التجارة الحرة المزمع توقيعها بين جمهورية العراق ودولة الكويت هي فقدانها للكثير من الشروط الأساسية التي تكتب على غرارها الاتفاقيات المماثلة بين الدول.

هذة الاتفاقية لا تحتوي غير ثمانية صفحات فقط ولم يذكر فيها اي تفصيل والقارئ المتخصص سوف يصل إلى استنتاج واحد فقط إن الاتفاقية عبارة عن عملية تمرير المادة ١٤ فيها والذي سوف يأتي ذكرها لاحقا؛ اما بقية المواد فهي موجودة ضمن اتفاقيات أخرى اما إقليمية أو دولية أو ثنائية كان البلدان قد وقعا عليها!!

هنا تساءلت

هل نحن أمام اتفاقية كتبت من أشخاص غير متخصصين في هذا المجال؟

على الفور تم استبعاد هذا الاحتمال جملةً وتفصيلا لأنني اعرف جيدا الخبرات المتراكمة في البلدين والتي تستطيع أن تلتقط الإبرة من داخل تلة قش.

اذا يا ترى ما هو السبب!

هنا قفز سؤال آخر في ذهني

هل من كتب هذا الاتفاقية أراد منها اتفاقية بمفهوم الاتفاقيات الدولية ام هي ملحق مكمل لتفعيل اتفاقيات أخرى سابقة ولاحقة من خلال المادة 14؟ ثم تسألت

هل هذا الاحتمال وارد؟

نعم وارد جدا..

اذا ما هي الاتفاقية الاصلية السابقة التي تحتاج إلى المادة 14 ليتم تفعيلها بالكامل وتعتبر ناقصة التفعيل بغياب هذا المادة.

ثم ماهي الاتفاقية اللاحقة التي تحتاج إلى المادة 14 لتتم ويوقع عليها.

لنبحث عن الاتفاقية السابقة ونعود قليلا الى الوراء وبالتحديد الى يوم 22 حزيران عام 2009 م الموافق 29 جمادى الآخر 1430هـ

في هذا اليوم تم توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية و دول رابطة التجارة الحرة الأوربية (إفتا) والدول هي (سويسرا و مملكة النرويج وجمهورية إيسلندا وإمارة ليختنشتاين) هذة الاتفاقية تتكون من 124 صفحة لم تترك شاردة او واردة إلا ذكرتها بالإضافة إلى الملاحق والجداول والتي نصت الاتفاقية ان تكون هذة الملاحق والجداول جزءا منها كما افردت اكثر من 15 صفحة لمعالجة سبل حل الخلاف بين الدول الموقعة عليها وليس هنا مجال ذكرها وقد وقع عن جانب مجلس التعاون الخليجي يوسف بن علوي بن عبد الله وزير خارجية عُمان بإعتبارة رئيس المجلس الوزاري لدول المجلس وكذلك وقع عليها الامين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وعن الجانب الاوربي وقع الاتفاقية كلا من اورسور سكارفيونسون وزير خارجية جمهورية ايسلندا و اوريليا فريك وزيرة خارجية إمارة ليختنشتاين وسيليفيا بروستاد وزيرة التجارة والصناعة ورئيس المجلس الوزاري لدول (إفتا) وكانت اربعة نسخ اثان باللغة الانكليزية وتعتبر الاصل واثنان باللغة العربية. وسمت الاتفاقية دولة النرويج ان تكون جهة الإيداع ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في الشهر الثالث من عام 2010.

لكن وجدت الاطراف بأن التفعيل التام لبنود هذة الاتفاقية لا يمكن ان يكتمل دون دخول كلا من سوريا والعراق أو احداهما في اتفاقية ثنائية مع الاطراف الموقعة عليها لغرض الربط البري.

وضن مجلس التعاون لدول الخليج العربية إن هذة الاتفاقية سوف تشجع مجموعة الدول الاوربية لتوقيع إتفاقية التجارة الحرة بينهما.

هنا يثار تساؤل آخر

لماذا لم توقع لحد الان معاهدة للتجارة الحرة بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي رغم أن هناك معاهدة للتعاون كانت قد وقعت بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي منذ عام ١٩٨٨ م حيث اعتبرت تلك المعاهدة البداية للوصول إلى معاهدة التجارة الحرة رغم سلسلة المفاوضات التي بدأت منذ العام ١٩٨٩ ميلادية وحتى ٢٠١٠ ميلادية.

أنه ببساطة العراق أو سوريا أو كليهما الذي كان السبب في هذا التأخير ورغم كل ما يسوق من أسباب أخرى ولكن السبب الرئيسي هو العراق وسوريا.حيث يصر الاتحاد الأوربي على وجوب وجود خط بري من يربط دول الخليج مع دول الاتحاد الأوربي وهذا الطريق اما ان يكون عبر الأراضي العراقية وصولا إلى تركيا أو عبر الأراضي السورية وصولا إلى تركيا

هذا يعني أن عدم توفر إحد المسارين سوف يعطل معاهدة التجارة الحرة مع الدول الاوربية المنضوية تحت رابطة (أفتا) المذكورة أعلاهمن جهة ويمنع توقيع معاهدة للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوربي من جهة ثانية.

أذا الطريق البري هو المعطل الرئيسي للتنمية التجارية لدول الخليج العربية وكان ما كان في سوريا وكان ما كان في العراق من مسلسل داعش وجبهة النصرة والحروب وصرفت مليارات الدولارات لإسقاط سوريا والعراق. وبعد ما ايقنت هذة الدول ان الحرب لا يمكن ان يفتح لهم طريق بري آمن إلى اوربا وبعد ان استطاع العراق التخلص من داعش وبدأ يتعافى تدريجيا بدأ التفكير بعقد اتفاقية ثنائية للتجارة الحرة بين العراق والكويت بعدما هيأت الكويت كل المستلزمات المطلوبة ومن أهمها ميناء مبارك الكبير…وكما قلنا سابقا ان الاتفاقية تتكون من 19 مادة في ثمانية صفحات فقط. المواد من الأولى وحتى المادة 14 تعتبر مواد مختصرة جدا من اتفاقيات مماثلة للتجارة الحرة بين الدول ولكنها فضفاضة وقابلة للتأويل والأخذ والرد والمادة 7 منها والمادة 18 منها أشارت الى مرجعية الاتفاقية الى اتفاقية منظمة التجارة العالمية WTO.

الان عندما نأتي إلى المادة 14 ونقرأ هذة المادة والتي تنص على ” يعمل الطرفان المتعاقدان على تسهيل دخول شاحنات وبضائع لكلا البلدين بما في ذلك العابرة والمتجهة إلى طرف ثالث ويلتزم الطرفان المتعاقدان بتذليل كافة العقبات التي تواجه الشاحنات العابرة لكلا البلدين في أراضي البلد الأخر وتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل بينهما”. نستنتج ما يأتي

واضح ان هذة المادة وضعت لغرض فتح طريقا بريا عبر الأراضي العراقية إلى أوربا مما تمهد الطريق لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول الاتحاد الأوربي من جهة وتفعيل الاتفاقية مع رابطة الدول (أفتا).هذة المادة تعد استكمالا لطريق الحرير الذي يربط أسيا بأوربا وأفريقيا.سوف تؤدي هذة المادة إلى تفعيل ميناء مبارك الكويتي والاتفاقية الكويتية الصينية الخاصة بجزيرة بوبيان.لا توجد في الوقت الراهن أية صادرات من العراق تمر عبر الكويت إلى طرف ثالث وإن وجدت فهي السعودية ولدينا معها منذ عرر الذي هو اكثر جدوى اقتصادية.

وهناك نقاط أخرى كلها تؤكد عدم جدوى وجود هذة المادة في الاتفاقية لا بل على العكس إنها سوف تلحق ضررا كبيرا بمصلحة العراق وهي:

تعطيل الموانىء العراقية وتشغيل ميناء مبارك الكويتي بدلا عنها إذ إن ميناء مبارك يبقى عديم الجدوى الإقتصادية بدون هذة المادة اذ ان الكويت لديها موانىء اخرى تلبي حاجتها واكثر جدوى اقتصادية لها من ميناء مبارك اذا بقى ميناء محلي ولم يتحول الى ميناء دولي.

البضائع التي سوف يتم شحنها من ميناء مبارك مرورا بالأراضي العراقية إلى طرف ثالث سوف تكون أما معفية من الرسوم الكمركية أو رسومها الكمركية مخفضة حسب ما جاء في البنود الأخرى من الاتفاقية.

الشاحنات المحملة بالبضائع من ميناء مبارك الكويتي وتمر عبر الاراضي العراقية الى طرف ثالث سوف تكون مشمولة بقانون التأمين الإلزامي رقم 52 لسنة 1980 اوتماتيكيا بموجب المادة 1 منه والمادة 12 وكذلك مشمولة باتفاقية بطاقة التأمين العربية الموحدة لسير السيارات عبر البلاد العربية رقم 140 لسنة 1972. هذا يلزم العراق دفع تعويضات إلى سائقي المركبات وذويهم في حالة الوفاة الناتجة عن حوادث السير داخل الاراضي العراقية بغض النظر عن الطرف المتسبب بالحادث.

تقليل العمر الافتراضي للشوارع الدولية العراقية نظرا للكم الكثير من الشاحنات الثقيلة التي سوف تمر عليها مما يلزم الحكومة إجراء عمليات الصيانة في فترات زمنية اقل على حساب ميزانية الدولة التشغيلية.

لنستمر بتصفح الصفحات الثمانية التي تضمنتها إتفاقية التجارة الحرة بين الكويت والعراق ونقف ان المادة 18 والتي ثبتت منظمة التجارية العالمية المرجع لها هذة المنظمة بدأت اعمالها في شهر كانون الثاني 1995ونتسائل:

ماذا لو حصل خلاف في تطبيق بنود هذة الاتفاقية؟

اشارت هذة المادة إلى تشكيل لجنة لمحاولة تسوية هذا الخلاف.

ماذا لو فشلت اللجنة في تسوية الخلاف؟

هذا يعني اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية حيث إن كلا من العراق والكويت طرفان في هذة المنظمة وعليهم الالتزام بموادها

السؤال الآن كيف يتم تسوية الخلاف بموجب هذة المنظمة؟

لنعود إلى إتفاقية منظمة التجارة العالمية حيث نجد إن هنال 27 مادة فيها تتكلم عن طريقة حل الخلافات التجارية بينها وتبدأ من محاولة حل الخلافات بين البلدين بصورة مباشرة وتتدرج حتى تصل إلى تشكيل لجان مستقلة عن الطرفين لتحكم بينهما ثم احقية احد الاطراف الإستئناف وقد تمتد لفترة زمنية تصل إلى سنتين لإصدار القرار النهائي وقد يتضمن القرار تعويض الطرف المتضرر.

لا اعرف هل الحكومة العراقية ووزارة التجارة واعية للكم من المخاطر على اقتصاد العراق من اتفاقية لا يستفاد منها الا الطرف الاخر وسوف تحول ميناء الفاو المعول عليه اقتصاديا إلى ميناء مهجور.

في الختام اقول لسنا ضد عقد إتفاقيات بين العراق والدول المجاورة بل ينبغي التشجيع عليها ولكن المطلوب النظر اولا لمصلحة العراق في هذة الاتفاقيات والتي يجب ان تكون ضمن ايطارها الدولي المتعارف علية في مثل هكذا اتفاقيات وإلا إلى أين تريدون ان تأخذوا العراق في اتفاقية من متهرئة مثل هذة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *