د. نزار السامرائي: الذين يشغلون “مناصب كبيرة” في حكومة المنطقة الخضراء بمقاييس ما بعد الاحتلالين الأمريكي والإيراني، يضجون بالشكوى من عدم توفر السلاح الحديث والقادر على مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، ويعزون الانكسارات والهزائم التي منيت بها قوات الحكومة ومليشياتها في المواجهات التي حصلت منذ حزيران 2014 إلى عجز أسلحة هذه القوات عن مواكبة ما يمتلكه تنظيم الدولة الإسلامية، وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة الإسلامية ليس دولة بالمفهوم الدولي المتعارف عليه كي تستطيع عقد صفقات تسليح مع الدول المنتجة للسلاح، وعلى الرغم من أنه يخضع لرقابة صارمة على مصادر التمويل المالي وليس العسكري فقط، فإن الحديث عن ضعف أسلحة قوات الحكومة يعد أمرا مثيرا للسخرية، فأي الطرفين من حقه أن يشكو من ضعف التجهيز؟ هل هو الطرف الذي أنفق أكثر من 145 مليار دولار على ميزانية التسليح خلال السنوات الثماني التي حكم فيها المالكي في دورتين كاملتين كما أشارت تقارير رسمية إلى تلك الحقائق المفزعة؟ أم هو الطرف الذي ينحصر حصوله على سلاحه بمقدار ما يستولي على أسلحة قوات الحكومة كما حصل في معركة الموصل في حزيران 2014؟
إن الحديث عن شحة السلاح أو توفره وعن حداثته أو تخلفه، لا يمكن أن يوصل إلى تشخيص أسباب الهزيمة العسكرية لمن بحوزتهم أحدث الأسلحة وأكثرها فتكا، أمام أعداد محدودة من المقاتلين الذي حصلوا على بعض حاجتهم من السلاح من مخلفات ما تركته قوات الحكومة أثناء فرارها الفوضوي من ساحة المعركة كما حصل حصرا في الموصل يوم 9/6/2014، ذلك أن معنويات المقاتل وإيمانه بأنه يقاتل من أجل قضية عادلة وليس من أجل طبقة حاكمة فاسدة تريد توظيف جهوده وتضحياته من أجل مواصلة النهب المنظم للمال العام وتكريس مكتسباتها السياسية والمالية.
إن المعركة لا تكسبها الأسلحة فقط على أهمية هذا الشرط وخاصة في حال استكمال منظومة التكامل في أداء أسلحة كل الصنوف المقاتلة، ولكن تأتي شجاعة الرجال الممسكين بالسلاح ومعنوياتهم في مقدمة شروط تحقيق النصر في أية معركة مع ارتفاع معنويات المقاتلين وإيمانهم بأن المعركة معركتهم وأنهم يخوضون الحرب دفاعا عن قضية عادلة، وهذه الشروط مفقودة تماما من قاموس القوات الحكومية والمليشيات المتحشدة معها، مع أن الحكومة وأجهزة الإعلام وخاصة الفضائيات “وهي بالعشرات” تحاول نفخ شيء من المعنويات في جسد هذه القوات التي تعاني من حالة انكسار نفسي ومادي غير قابل للجبر، وحتى هيئة التوجه المعنوي التي تشكلت بموجب أمر من وزير الدفاع لتجاوز الانهيار اللافت في معنويات القوات المسلحة مما جعلها محل تندر المواطن العراقي الذي بات يتساءل عن الأسباب التي تؤدي إلى هذه الإخفاقات المدوية لقوات تعد بمئات الآلاف من الجنود وتحت تصرفها أحدث ما أنتجته مصانع السلاح من المناشئ الدولية المعروفة وخاصة السلاح الأمريكي، واللافت ما ذكر مؤخرا عن شراء حكومة بغداد لأسلحة من مختلف الدول بمبلغ 145 مليار دولار خلال ثماني سنوات فقط.
فأين ذهبت الأسلحة التي تم شراؤها بهذا المبلغ الفلكي؟
هل يعقل أن تنظيم الدولة الإسلامية استولى عليها وبات يستخدمها ضد قوات الحكومة؟
وهل يرمي المطالبون بمزيد من الأسلحة الحصول على نصيب جديد من العملات السمينة والتي تغري بأن يفقد ساكنو المنطقة الخضراء آخر قطرة مما تبقى لها من حصانة أخلاقية؟
إن حجم السلاح الذي يمكن شراؤه بهذا المبلغ الهائل يغطي احتياجات أربعة جيوش من جيوش الشرق الأوسط الكبيرة بكل ما تحتاج إليه، فيما لو تم انفاق جميع المال في وجهه الصحيح، ولكننا على يقين أن ما حصل مع صفقة السلاح الروسية التي وقعها نوري المالكي أثناء زيارته إلى موسكو عام 2012 ورافقها فساد قيل إنه يزيد على 25% من قيمة الصفقة التي بلغت أربعة مليارات ونصف المليار، كان عاملا مشتركا في كل الصفقات التي وقعتها حكومات ما بعد الاحتلال مع جميع الدول المنتجة للسلاح، هذا إضافة إلى تغطية أكلاف سلاح بمليارات الدولارات لصالح نظام بشار الأسد بموجب إملاءات وأوامر إيرانية غير قابلة للرد، وتم تسجيل تلك الصفقات باسم العراق زورا.
ولكن المفارقة الحزينة أن كل المتورطين في فساد هذه الصفقات قد أفلتوا من العقاب والملاحقة القانونية إما للسماح لبعضهم بترك العراق محملين بحقائب مليئة بعشرات الملايين من الدولارات إن لم نقل بالمئات، أو شملتهم مظلة الحماية التي يلقيها التحالف الشيعي على قياداته بعد دفع الحقوق الشرعية للمرجعيات التي تعرف تفاصل ما يجري ولكنها ساكتة عن هذا الفساد لأنها تعرف أن “حقها” مضمون في نهاية المطاف.
وإلا بماذا نفسر إفلات نوري المالكي من العقاب ولماذا لم تنجح محاولات تحجيم دوره ومنعه من الاستمرار بدور المتحكم بأكثر الملفات جلبا للمفاسد؟ وبماذا نفسر استمرار تحكمّه برسم سياسة التحالف الشيعي الحاكم على نحو بات يحرج رئيس الحكومة حيدر العبادي الذي يقف أمام المالكي وكأنه مغلوب على أمره ويستحق الشفقة أكثر مما يستحق من الغضب؟
المالكي جعل من حيدر العبادي مجرد بيدق يحركه كيفما يشاء ويوقفه متى أراد وهذا ما فاقم من الأزمات السياسية والنفسية التي يعاني منها العبادي فلا يدري أي الملفات أولى بالحل، هل هو ملف “الإرهاب” أم ملف نوري المالكي، لأن الأخير يشكل تهديدا مباشر على العبادي نفسه؟
وبماذا نفسر التقارير التي تحدثت عن ملكية نوري المالكي من النقد فقط بأكثر من خمسين مليار دولار؟ هل كانت حصته من تركة أبيه كما يحلو لكثير من “مواطني” المنطقة الخضراء أن يبرروا ثراءهم بمزاعم مضحكة عن سلسلة متصلة من ثراء عائلي أبا عن جد حتى آل إليهم بظروف طبيعية؟ وبماذا نفسر السماح بسفر أكثر من وزير في حكومات الاحتلال المتعاقبة إلى خارج العراق وهم محملون بجرائم التلاعب بالمال العام والرشوة والاختلاس وأخذ العمولات وتوقيع اتفاقيات مع شركات وهمية في قطاع الكهرباء والماء والتسليح وأجهزة كشف المتفجرات، حتى إذا لم يكونوا مطلوبين من القضاء لأن هذا القضاء معطل تماما في بلد لا يحترم نفسه ولا يحترم شعبه.
إن شرعة السطو على المال العام أصبحت الشرعة الوحيدة التي يتساوى فيها “مواطنو” المنطقة الخضراء استنادا إلى مبدأ التخادم المتبادل بين اللصوص و”الحرامية”.
اختفاء مبلغ 145 مليار دولار
آخر تحديث: