أنا لست وطنياً … بقلم هادي جلو مرعي

أنا لست وطنياً … بقلم هادي جلو مرعي
آخر تحديث:

على مستوى الخطاب السياسي والديني والمجتمعي والإعلامي وحتى على مستوى الباعة المتجولين، فإن الوطنية بمعناها العام تتراقص على الشفاه، وتتحول الى نشيد يردده الجميع بلا إستثناء ، فالسياسي يتخلى عن السياسة ويكون وطنيا قلبا وقالبا ، وهو مستعد للتنازل عن إمتيازاته وحقوقه من أجل الوطنية .ورجل الدين يمتلك القدرة على تفكيك المنبر الذي يعتليه ويحوله الى حطب لإشعال النار من إجل تدفئة الفقراء ، وكل ذلك من أجل الوطنية المعذبة , ومثلهما كثير وعديد ،لكنهما وسواهما لايريدان أن يعترفا إن الوطنية ليست خطابا ونشيدا يرددانه صباح مساء ، بل هي فعل إنساني ، وليست تصنيفا سياسيا ، أو عقائديا .
والوطنية ليست إيمانا قلبيا وحسب، بل فعل ثوري في اللحظة ، يتفجر طاقة جبارة ، ويستثير الكوامن ، ولايترك مجالا لأحد أن يتراجع عن فعله الإنساني ليغير ماإستطاع التغيير ، وإذا كان الجميع وطنيين مخلصين ومدعين بذلك فلاقيمة لإدعائهم ماداموا عاجزين عن ردع لاوطنية البعض ..بعض الزملاء والأصدقاء والسياسيين ردعوني بقسوة وإتهموني بالمغالاة حين وصفت الوطنية أنها ذبيحة الفعل العراقي ، وهي تنحر يوميا في هذا الوطن ومن الجميع ، وعدوا ذلك تعسفا مني بإعتبار إن الوطنية متوفرة في جميع الأسواق ، ومحلات البقالة ، وفي المساجد ، والمستشفيات ، والمنتديات وفي مضايف الشعر، ودواوين الشيوخ الطامحين الى المجد والعلى ،وقلت لهم، ماقيمة الوطنية الخطابية حين يكون البعض سيدا والكل عبيدا ؟ فإذا كان من وطنيين حقا فلماذا يعجزون عن ردع البعض من القتلة، والفوضويين، وسراق المال العام ، ومستغلي الوظيفة، والسلطة والمتحايلين على القانون والنظام ؟ الله سبحانه يقول ( وإتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) فالذين ظلموا هم البعض، ولكن الذين أصيبوا بالضرر هم المجموع العام.. الله يعلم قدرة الكل على ردع البعض ،غير إن الكل تهاون مع البعض ، وإستجاب لفعلهم ،كأن تكون فئة خارجة عن النظام وعن العادات والتقاليد وهي في الأصل تنتهك علاقتها بالله، وتقتل، وتسرق ، وتتطاول ، بينما لايتحرك المجموع العام ضدها ويتساهل في تطبيق الأحكام وينسحب الى جانبها ، وينتفع بفعلها ، ويدافع عنها في المحافل ، فتتحول الوطنية الى حالة من التأويل غير المقنع لفعل يراه البعض سلوكا طبيعيا ، ويراه آخرون فعلا جرميا يستحق صاحبه عليه أن يعاقب بأشد العقوبات وأمضاها..
البعض يقتل ،بينما الكل يستسلم ويضعف ولايبدي ردة فعل حقيقية توقف البعض المعتدي عند حده،فتصيب العقوبة الجميع ولاتستثنيهم ، وهذا حالنا منذ زمن طويل ، فقد تعود البعض سرقتنا ،وقتلنا، وهتك حرمنا ،وتدمير بنيتنا القيمية والأخلاقية ونحن عاجزون عن فعل شئ ، ولانفعل شيئا سوى أن نكذب ،ونتردد ،وندعي ،ونجامل ،ونسوف، ونصنع لهم آلاف التبريرات غير المقبولة..
أنا لست وطنيا ، وأنتم لستم وطنيين، فلاتدعوا الكذب ولاتتهاونوا في الإعتراف ، وهو خير لكم إن كنتم تعلمون.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *