أين أنت يا حسقيل؟بقلم كاتبها

أين أنت يا حسقيل؟بقلم كاتبها
آخر تحديث:

حسقيل ساسون، يهودي عراقي من مواليد بغداد 1860م، أول وزير مالية عراقي 1921م، يذكر الباحث العراقي ضياء كاظم العرادي أن الملك فيصل الأول أراد منه مبلغ عشرين دينار عراقي من أجل بناء مدرسة في الديوانية ـ بعد مطالبة أهل المدينة بذلك من الملك ـ إلا إن حسقيل قال للملك: لقد أُقرّت الميزانيّة في البرلمان ولا مجال للتلاعب بأي مبلغ مما أقرّه البرلمان..!!
كان رجلاً مثالاً في الصدق والأمانة، فهو أول مَن وضع النظام المالي لوزارة المالية العراقيّة، وقد فاوض الشركات البريطانية بأن تدفع للعراق بالشلن الذهبي لا بالباون الاسترليني الورقي وهو مما أكسب العراق فيما بعد ثروة ضخمة، وهو صاحب فكرة وضع عملة وطنية عراقية حيث كان رئيس اللجنة المالية في البرلمان العراقي، وهو ما نتج عنه إصدار الدينار العراقي.
لقد عُرف عن حسقيل دقّته في المُحاسبة حتى قال صاحب موسوعة «الكنايات البغدادية» عبود الشالجي: إن مفردة «حسقلها» والتي تعني التشدد في الحساب جاءت مِن كلمة حسقيل وهو أول وزير مالي عراقي عُرف بتشدده ومحاسبته في كل ما يتعلق بشؤون المال العام.
في وزارة محسن السعدون حيث كان حسقيل وزيراً للمالية جرى بينه وبين وزير الداخلية ناجي السويدي حديث حول (45) دينار كانت ضمن التخمين الاجمالي الذي قدمه السويدي إليه لترميم بناية القشلة، والتي كانت ثكنة عسكرية ثم أصبحت من ممتلكات وزارة الداخلية،وقد رأى حسقيل بعد أن ناقش المسألة مع المهندس في موقع العمل أن هناك زيادة على المبلغ المطلوب تقدّر بـ 45 دينار عراقي فاقتطعها من المبلغ المُخصص للمشروع..!!
ولما عاتبه ناجي السويدي على اقتطاع الـ45 دينار مذكراً إياه أنّ القشلة مِن المعالم التاريخية لبغداد،أجابه حسقيل:
يا سيد ناجي أفندي إنّ الحفاظ على المعالم التاريخية في بغداد يجب أن يكون متوازياً مع الحفاظ على المال العام وبعيداً عن الإهدار، لأن الإهدار يجعل من المال «سائباً» والمال السائب يُعلم السرقة.
في الوقت الحاضر هناك رجال جاؤوا من خلفيات «إسلاميّة» بعضهم يتحدّث باسم عليٍّ (ع) وبعضهم يتحدث باسم عمر (رض) ورغم ذلك عجزوا أن يكونوا بنزاهة حسقيل «اليهودي»، فعبد الفلاح السوداني القيادي في حزب الدعوه ـ مثلاً ـ الذي حفرت التربة جبهته لكثرة السجود عليها وبحسب نتائج تحقيق لجنة النزاهة البرلمانيّة ظهر أنه سرق بحدود الثلاثة مليارات من الدولارات بعد التلاعب بمفردات البطاقة التموينيّة التي توزع على الفقراء من أبناء الشعب العراقي، فيالها من مفارقة أن حسقيل «اليهودي» يُناقش وزير داخلية العراق على 45 دينار عراقي، وعبد الفلاح السوداني «المسلم» يسرق من أموال العراق 3 مليار دولار أمريكي..!!
وآخر يرسل حراسه للسطو على مصرف في بغداد فيقتلون ثمانية من حراس المصرف، ويسرقون ثمانية مليارات من الدينانير، وحينما تكتشف الجهات الأمنية جريمته يُسلّم الجنود الذين قاموا بالعملية، مُدعياً أنه لا علاقة له بهم، أما ابني عمّه الضابطين الذين قادا الجنود أثناء عملية السطو فيهربان إلى الجمهورية الإسلاميّة، ليفلتا من العقاب…!!
وشيوخ عشائر وساسة من المنطقة الغربية يُساعدون داعش الإرهابية على سرقة نفط العراق وتهريبه مما يُخسر العراق إيرادات النفط المهرّب وهي بمليارات الدولارات، والغريب أن يتم التهريب عبر أراضي الجارة الإسلامية أيضاً التي تحاول دائما الإيحاء بأنها تقف في صف شيعة العراق في حربهم على داعش..!!
أما القادة الكُرد فإنّ أخبار ناقلات النفط العراقي التي هربوها وباعوها بأبخس الأثمان على إسرائيل فهو أمر لا يستيطعون إنكاره ولو حلفوا على المصحف الكريم ألف مرّة..!!
لذلك وجدتُ نفسي مضطراً اليوم لأندُب حسقيل العراقي النزيه في زمن أصبحت النزاهة فيه عُملة نادرة يُعاقب عليها صاحبها كما فعلوا بسنان الشبيبي محافظ البنك المركزي العراقي الذي رفض أن يستسلم لابتزاز المالكي…!!
أرثي حسقيل الشريف في زمن أصبح الشرف فيه شيئاً من التراث المنبوذ…!!
أرثي حسقيل الوطني في زمن أصبحت العمالة فيه محط فخر واعتزاز، أما من يُصرّح بحُب وطنه فإنه بعثي وقومجي و….!!
أرثي حسقيل وهو يجادل وزير الداخلية على 45 دينار، بينما يصرف حكامنا «الإسلامييون» تسعة مائة مليار دولار من أموال العراق على جيشٍ مِن الفضائيين وآلاف المشاريع الوهمية الزائفة…!!
ولله درُّ الشاعر معروف الرصافي إذ قال في حسقيل:
نعى البرقُ من باريس ساسونَ فاغتدت *** بغداد أم المجد تبكي وتندبُ
ولا غرو أن تبكيه إذ فقدتْ بهِ *** نواطقَ أعمال مِن المجد تعربُ
لقد كان ميمونَ النقيبةِ، كلّها *** تذوقته في النفس يحلو ويعذبُ
تُشيرُ اليه المكرماتُ بكفها *** إذا سُئلت أي الرجال المهذبُ
ألا لا تقلْ قدْ ماتَ ساسون، بل فقل: *** تغوّر من أفقِ

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *