الباكون والمتباكون على العراق

الباكون والمتباكون على العراق
آخر تحديث:

 ابراهيم الزبيدي 

حتى من قبل سقوط نظام صدام بسنوات عديدة، كان أشقاؤنا العرب الباكون والمتباكون اليوم على العراق يعلمون كل العلم بأن القادمين لحكم الوطن هم قادة المعارضة العراقية، باقر الحكيم (المجلس الإسلامي، ومعه منظمة بدر المسلحة)، وإبراهيم الجعفري (حزب الدعوة)، وأحمد الجلبي (المؤتمر الوطني)، ومسعود البرزاني وجلال الطلباني (الجبهة الكردستانية)، ومحمد بحر العلوم، وأياد علاوي الذي وافقت إيران على إدخاله إلى غرفة عمليات القادة (السبعة) الكبار للمعارضة، قبل أن تغير رأيها فيه.

 ويخدع نفسه من يزعم أنه لم يكن يعرف بأن إيران ومخابرات حافظ أسد كانتا هما العرابتين الوحيدتين لجميع مؤتمرات المعارضة، والمخطِطتين والمقرِرتين لجميع صيغ الحكم المقبل، وأن ريتشارد دوني وخليل زادة المعينيْن سفيرين بالتتابع لدى المعارضة العراقية لم يكن لهما سوى دور واحد فقط لاغير، وهو تمويل تلك المؤتمرات، والتنسيق مع الوكلاء العراقيين لإيران وسوريا داخل المعارضة، ولانتزاع ما يمكن انتزاعه من مواقع قدم في النظام الجديد.

 ومراوغ أو جاهل من يزعم أنه لم يكن يتوقع أن تقفز إيران، مع أول إطلاقة مدفع أمريكي في نيسان /أبريل 2003، لاحتلال العراق، عسكريا وسياسيا واقتصاديا، والثأر لكرامتها الجريحة، والتنكيل بكل من حاربها ثماني سنوات، سنيا كان أو شيعيا، وتحقيق ما عجزت عنه في الثمانينيات والتسعينيات.

 ومراوغ أو جاهل، أيضا، من لم يكن يعلم بأن المليشيات العراقية الشيعية تشكلت وتسلحت وتدربت بعد نيسان /أبريل 2003، ولم تكن جاهزة للانطلاق من إيران، قبل غزو صدام للكويت بسنين، منتظرة ساعة الصفر والضوء الأخضر من سيد (البيت العالي) في طهران. بل إن بعضها، (منظمة بدر مثلا) كان يحتل أجزاء من الأراضي العراقية ويدير فيها عملياته العسكرية، على مرأى ومسمع من أمريكا وحلفائها العرب الباكين والمتباكين الشاكين من هيمنة النظام الإيراني على مقدرات العراق.

 وفي قناعتي، وقناعة ملايين أمثالي، أن العرب الباكين والمتباكين اليوم على العراق، والشاكين من احتلاله الإيراني، مشاركون متساوون مع الإيرانيين في ظلم الوطن العراقي، بتأجيج العصبية الطائفية والقومية والمناطقية بين أبنائه، وإيقاظ الأحقاد التي كانت نائمة من قرون.

 فأشقاؤنا العرب اختاروا المواجهة مع النفوذ الإيراني في العراق في العراق باحتضان عراقيين سنة طائفيين حتى العظم، متهالكين متقاتلين على الزعامات والمكاسب والمناصب والرواتب، فسلحوهم ومولوهم وأطلقوهم تحت مسميات عقائدية وسياسية وطنية عديدة مختلفة، لكنها، جميعها، تنطلق بدوافع ثأرية متطرفة أدخلت العراق كله في النفق المظلم العميق، وأفقدت الطائفة السنية المواقع المشروعة التي تستحقها (العراق الديمقراطي الجديد).

 ومن يأتي اليوم مُعلقا أسباب ظهور داعش في العراق على سياسات التهميش والتطهير الطائفي التي انتهجها نوري المالكي وبشار الأسد، وحدها، وشاكيا ومنزعجا من أفعال المليشيات العراقية الشيعية في ديالى وصلاح الدين، ومن الهيمنة الإيرانية المباشرة الخانقة عليه أن يقر ويعترف بأنه شريك في صنع كل ذلك الخراب.

 وما تمدد إيران وانتشار نفوذها في دول عربية عديدة أخرى إلا نتيجة طبيعية وحتمية لسياسات تلك الدول الخاطئة القاصرة التي جعلت المعركة طائفية، بين شيعة، (فرسا وعربا) وسنة، (عربا وغير عرب)، وإجازت استخدام العنف السني (داعش والقاعدة والنصرة وكتائب القدس وأنصار الشريعة) لمواجهة العنف الشيعي، (حرس إيران الثوري وحزب الله اللبناني والحوثييين وعصائب الحق وجيش المهدي وأبي الفضل العباس).

 ففي عز الفورة القومية الدينية الطائفية التي شهدتها (منصات الاعتصام) في المحافظات السنية الست طنش هؤلاء (الأشقاء) عن ولادة داعش في أحضان المعتصمين، لينمو ويتمدد ويتحول إلى سلطة حاكمة باطشة في الفلوجة والرمادي وغيرها. وأجازوا، أو غضوا الطرف، بعبارة أخف، لحلفائهم السنة دعمَه والالتفاف حوله، وإمداده بالمقاتلين، وتسمية (أشقيائه) المنحرفين المتمرسين بالجريمة (ثوار عشائر)، و(مجاهدين).

 وبعد أن كانت المشكلة معركة الشعب العراقي مع الغزاة، ومعركة الوطنية مع الخيانة، وسلطة القانون مع شريعة الغاب، والأمانة مع الاختلاس، والمساواة مع سياسة التهميش والإقصاء والتسلط والقهر والإرهاب، والاعتدال مع التطرف، جعلها الإيرانيون و(أشقاؤنا)، سواء بسواء، صراعا بين غزو وغزو، شر وشر، ظلم وظلم، جهل وجهل، خيانة وخيانة، عمالة وعمالة، همجية وهمجية.

 ليس هذا وحسب، بل إن بعض هؤلاء (الأشقاء) الباكين والمتباكين اليوم على أمن العراق واستقلاله وسيادته ومصيره، كانوا وما زالوا إلى اليوم يصبون زيوتا كثيرة على نيران الحروب العراقية، واهمين بأن ألسنة لهيبها ستظل محبوسة داخل حدودها، ولا تأكل سوى أهلها، ولا يخطر على بال أحد منهم أن يوم عصيبا سيأتي ليجدوا فيه ألسنة اللهب المدمرة واقفة على حدود بلادهم، وتدق أبواب قصورهم، وهم غافلون.

 فلا تبكوا على العراق، ولا على سوريا، ولا على لبنان، ولا على اليمن، بل ابكوا على أنفسكم، وعلى عقولكم وقلوبكم التي لم تعرف الرحمة والعدل والسلام.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *