الحركة الشعوبية من ماضيها إلى حاضرها (1) د.عمران الكبيسي

الحركة الشعوبية من ماضيها إلى حاضرها (1)       د.عمران الكبيسي
آخر تحديث:

 

شبكة أخبار العراق :

الكلام عن الشعوبية في مثل الظروف التي نعيشها اليوم ضروري وحتمي، حيث تواجه الأمة هجمة شرسة يقودها الصهاينة والصفويون الذين ترجع أصولهم إلى منبت واحد “يهود الفرس” هجمة لا تقل ضراوة عما واجهته الأمة عبر تاريخها العريق من هؤلاء، مع الفارق أن الأمة فيما مضى قاومت الشعوبية وهي بأوج عنفوانها وقوتها، أما اليوم فتبدو ضعيفة مشتتة أنهكتها الطائفية، ونخرها الفساد.
الشعوبية لغة منسوبة إلى الشعوب، حركة بدأت في ظاهرها لا تفرق بين جنس وآخر، وتدعو إلى التسوية التي تبدو للوهلة الأولى متفقة مع الفكر الإسلامي، فالمفاضلة لا تكون بين الأفراد بحسب أجناسهم إنما بين الأفراد بحسب أعمالهم، كما جرى الحال في صدر الإسلام، فبلال الحبشي وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي من خيرة الصحابة، وعندما غضب أبوذر الغفاري يوما على عبد له، ونعته بابن السوداء، نهره الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا: “إنك امرؤ فيك جاهلية، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بعمل صالح”.

والشعوبية في المصطلح حركة ابتدأت بأفراد من أجناس متعددة دخلت شعوبها وأممها في الإسلام، واستقطبت فئات أسلمت لغاية أضمروها وليس قناعة بالدين، حركة تزعمها يهود الفرس لكثرة من دخل منهم في الإسلام بعد الفتح وسموا بالعجم، “عجمة اللسان” ولم تكن لغتهم عربية، ولقبوا بالموالي بمفهوم سيادة العرب قادة حملوا لواء الإسلام إلى غيرهم وارتقوا بهم إلى أنوار التوحيد، فلهم فضل السبق بنشر الهدى ودحر الضلالة، وترجع جذور الشعوبية إلى عبدالله ابن سبأ فأفكارها متفقة مع أفكاره وسلوكه، ويعده المؤرخون مشعل الردة على الخليفة عثمان، والسبب في وقوع معركة الجمل، وينسب إليه أنه أول من غالى بحب الخليفة الرابع علي ابن أبي طالب وأضفى عليه صفات غير بشرية، وأول من شتم الصحابة أبا بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم مما جعل عليا يتبرأ منه.

ظهرت طلائع الحركة الشعوبية إبان العصر الأموي حيث تناوب خلفاء بني أمية الحكم بالوراثة، وعرفوا بالاعتزاز بعربيتهم والحفاظ على نقاء سلالتهم العربية خصوصا الخلفاء الذين حرصوا على عدم التصاهر بغير العرب، فظهرت الشعوبية تحت ستار ردة الفعل لهذا الاعتزاز غير المبرر من وجهة نظر الشعوبيين شرعا في الإسلام كما في قوله تعالى: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ”. فتسترت الحركة الشعوبية في بداية ظهورها خبثا برداء الدين، وبالدعوة إلى التسوية بين العرب وغيرهم، بذريعة قوله تعالى: ‘’يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى? وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ”. الحجرات 13، وقوله صلى الله عليه وسلم: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِأعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى”، حتى أسهمت حشود الفرس بقيادة المجوسي أبي مسلم الخراساني في سقوط الدولة الأموية، وصار للعجم دور فاعل في السياسة كشفوا عما في جعبتهم بالتدريج وجهروا بنواياهم، فقد أصبحوا قادة الفتنة ما بين الأمويين والعباسيين، لإسقاط الدولة الأموية العربية الإسلامية التي امتدت من الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غربا وعبروا إلى أوروبا وأقاموا دولة الأندلس، ويعد الخراساني من أوائل الشعوبيين الذين طفت نياتهم في كراهية العرب فساعد العباسيين في إسقاط دولة الأمويين وأفرط في سفك دماء جيوش الأمويين انتقاما من العنصر العربي تحت ستار مساعدة العباسيين، ولاحظ أبوجعفر المنصور ذلك وحملها عليه في نفسه، ثم ما لبث أن قلب الخراساني ظهر المجن للعباسيين بعد أن أصبح قائداً في جيشهم مضمرا الانفصال عنهم وإنشاء دولة في خراسان تدين بالمجوسية وعبادة النار، فخيب الله مسعاه حين قضى عليه المنصور وعلى أحلامه.
في مثل الظروف التي مر الحديث عنها سهل على الشعوبيين الجهر بمقاصدهم واتضحت معالم الدعوة الشعوبية وتكشفت أسرارها، فلم يلبثوا طويلا في العصر العباسي حتى تخلوا عن نزعة التسوية، وجهروا بكراهيتهم للعرب والإساءة إليهم صراحة، وتفضيل غيرهم عليهم. وقد تجمع حولهم كل ناقم ومنتقص من العرب ومن حضارتهم، حتى ورد تعريف الشعوبية في الموسوعة البريطانية أنها: “كل اتجاه مناوئ للعروبة” وللموضوع صلة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *